رواية
الروح
الثالثة
الجزء 56
تأليف محمد أبو النجا
كان منصور فى غاية الشغف واللهفه
وهو بين يديه ذلك الصندوق الذى
تركته له منى
فهو بمثابة الأمل الذى يمكنه من خلاله
الوصول لها أو معرفة أى شىء عن ما
حدث لعائلته طيلة فترة غيبوبته..
أخذ يقلب
محتواه فى تعجب فلم يكن داخله سوى
مفكره ورقيه
ودفتر صغير وبعض الاوراق...
ليقول فى تعجب :
مش فاهم إيه اللى سايباه منى ده..!
لينا بصوت هادىء :
تسمحلى أشوف واساعدك
أومأ برأسه منصور :أكيد أتفضلى..
تنظر للصندوق
وهو يقول مشيرًا للصندوق :
معلش بقى أنا تعليمى على قدى
ممكن توضحيلى إيه
اللى فى الصندوق..؟
أنا مش
فاهم
أو
تقدرى تقولى لسه مجمعتش
تركيزى..
تجلس لينا بالقرب منه
تضع يديها فى الصندوق وتقول
وبيده ورقه بيضاء عريضه :
ده حساب
بإسمك فى البنك ...
منصور فى ذهول : حساب...
بأسمى
فى البنك...!
هزت رأسها : أيوه..
حساب بإسمك عشر ملايين
وميت
ألف..
وفيه
وصيه معاها لقدر الله لو..
عاد
يشير لها : أرجوكى يا دكتوره
كملى...
تقول
وهى تنظر له :
لو مت يتم تسليمهم للملجأ...
منصور فى ذهول :
مش معقول
منى جابت منين كل الفلوس دى
منين..؟
وأزاى..؟
وعادت تخرج ورق آخر تطلع
فيه
وهى
تشير :
ودول شهادتين ميلاد
منصور فى صدمه جديده :
شهادتين ميلاد..!
بتوع مين...
تقرأ لينا الاسماء :
دول
ولدين توءم شادى يوسف حمدى...
وشريف يوسف حمدى..
إسم الأم منى..
منى أحمد جبريل..
يلتقط منصور فى صدمه لا حدود
شهادات الميلاد يصرخ :
مش ممكن..!
منى عندها ولدين من يوسف
توءم...!
لينا ترفع ورقه ثانيه :
دى كمان ورقه بتوضح
إنهم موجدين فى ملجأ...
من
زمان جدًا..
تقريبًا
متربين فيه..
منصور فى
دهشه عارمه
: طب
ليه...!
ليه
منى وديتهم الملجأ..!
تنفى
لينا برأسه : معنديش تفسير
أو
فكره...!
الاوراق هيه اللى بتقول كده ..
منصور : كملى ..
فى إيه تانى...؟
مطت لينا شفتيها وهى ترفع كتفيها :
مفيش غير مفكره ورقيه...
منصور فى حيره جديده يردد :
مفكره دى يعنى إيه ..!
موجود فيها إيه..!
ممكن تقرأيها..؟
تتنهد لينا وهى تقرأ رسالة بحروف
حزينه يسكنها الألم من منى
وهى تبدأها ب أخى الحبيب
مش عارفه إذا كانت رسالتى
دى وصلتك أو لاء
ولو كانت وصلتك مش عارفه
هكون عايشه أو ميته
لكن اللى لازم تعرفه
إنك الحب الصادق الحقيقى
فى حياتى...
متعرفش أنا بحبك
ومحتاجه وجودك قد إيه...
لو قمت من غيبوبتك ووصلتك
ووصلك رسالتى
أنا متأكده إنها هتسبب لك
كتير من الحزن
والوجع...
لكن لازم تعرفها..
لأنها هتحكيلك كل اللى حصل ..
كل اللى أنا شوفته فى غيابك...
أنا
أتعذبت فى غيابك كتير..
وبدأت الكلمات تروى القصه من
البدايه..
وتتساقط دموع منصور وتنهمر..
وهو لا يملك منعها...
ويعتصر قبضته فى غضب لا حدود له...
وتتساقط دموع لينا بدورها وهى تستمع
للقصه بخط منى..
كل ما
حدث لها بتفاصيل دقيقه
شعر
بأنه يرى بعينه وبقلبه
ويعيش
معها ما حدث لحظه بلحظه...
حتى أنتهت إلى نقطة حصولها
على وجه
فتاة أخرى تدعى ناديه محمود ...
تطوى
لينا رسالتها وتمسح دموعها
: مش ممكن
أنا بسمع قصه ولا فى
الخيال..
أنا مش
متخيله حجم المرار اللى شافته
منى
بسبب يوسف ده..!
ينتفض منصور من فراشه
ويقفز فى قوة
وسط حالة من ذهول لينا
التى تقول :
إيه اللى أنته بتعمله ده ..!
إنته
رايح فين..!
منصور بصوت قوى حاد :
زى ما أنتى شايفه هخرج...
تنفى برأسها :
مش ممكن طبعاً..!
إنته حالتك متسمحش ولازم
يقاطعها وهو
ينفى بيده بتحدى وتصميم :
دكتوره أنا هخرج ومتحاوليش تمنعينى
لو هكسر حطان المستشفى بإديه هخرج..
أنا لازم أقتله...
مش هيه اللى المفروض كانت
تعمل كده...
إنتى
متعرفيش أخواتى دول بالنسبه
ليه
إيه..
واحد
قتله..
والتانيه
إغتصابها ..
وأنتى
بتقولى لى نام وارتاح..!
كفايه
عشر سنين نايم..
نايم
وسايب الكلب ده..
يوسف لازم يموت بإديه..
ومفيش قوه هتمنعنى..
أو هتخلينى أتراجع عن قرارى..
لو يوسف ده فى أرض الشياطين..
هقتله برضه..
مش هيفلت من إديه...
وعاد ينتبه لعدم وجود ملابس له
ليقول :
أرجوكى ممكن تساعدينى
أنا محتاج ملابس ..
وأرجوكى لو سمحتى ساعدينى
ومتقفيش فى طريقى
ولم تجد لينا منفعه من الحديث معه
فقد كان بلا جدوى...
أى جدوى
أمام ذلك الإصرار الرهيب...
وأمام
تلك الأعين التى كان تشتعل
فى
أعماقها ببراكين الغضب..والثوره
والإنتقام..
*********
بعد أسبوع...
أستطاع منصور أن يصل إلى طريقها
بعد بحث طويل...
تمكن من معرفة طريقها....
كان عليه أن يقوم بزيارتها فى السجن...
لم يصدق أنه سيرى أخته...
سيرها بعد تلك الغيبه
والسنوات الطويله...
سيرها بوجه فتاة أخرى ...
لكن بالتأكيد لن تتبدل روحها ...
كان ينتظر الأذن بالدخول والسماح
بزيارتها
بفارغ
الصبر...
كان قلبه ينتفض ويخفق بقوة
من الشوق لهذا اللقاء...
حتى جاءه ذلك الرجل
ينفى بوجه حزين :
معلش الاخبار مش كويسه..
منى أحمد جبريل
أتنقلت للمستشفى
يسقط قلب منصور
أرضاً فى حسره
يردد :
منى فى المستشفى ليه..!
الرجل : هحاولت الإنتحار...
وحاولو
ينقذوها
ونقلوها...المستشفى..
منصور فى لهفه وحزن :
فين المستشفى..؟
ممكن العنوان..؟
هز الرجل رأسه :
ثوانى هكتب لك العنوان
يجوز تلحقها
وتشوفها قبل ما تموت
تتساقط دموعه وتتمزق ضلوعه
فى صدره وتذوب
ألمًا و هم وحزن...
وهو يقول بكلمات يسكنها الوجع
: أشوفها قبل ما تموت..!
هز الرجل رأسه : للأسف أيوه
لأنى سمعت حالتها خطره..
وبتحتضر...
ويجوز
تكون ماتت دلوقت فعلًا..
فلازم
وانته رايح متحطش أمل أوى
إنها
ممكن تكون عايشه..
الأمل
ضعيف..
للأسف..
يسقط
قلب منصور بين قدميه
ويلامس
براحت يديه كامل وجهه
ويمسح
دموعه يدعو من أعماق قلبه
أن
تبقى حتى يراها..
لقد
نام فى غيبوبه سنوات طويل..
ليستيقظ
وهى على وشك الرحيل
من هذا
العالم..
كم هذا
مؤلم..
ترحل
قبل أن يخبرها بأنه قد عاد..
عاد من
أجلها...
وانطلق منصور تسبق أقدامه الريح
فى محاوله شبه يأسه
أن يلقى أخته للمره الأخيره
قبل أن تموت...
فى لقاء بينهم يسمى
بالوداع....
ويصل
أعتاب المستشفى يسأل عن
حجرتها..
وعيناه
وجسده يرتجف..
وقلبه
وعقله ينفى أن تكون قد
رحلت..
رحلت
قبل أن يخبرها أن سيقتل
كل من
أساء لها..
والآن
أصبح على بعد خطوه واحده
من
حجرتها..
لا
يصدق أن منى أخته وحبيبته هنا..
الآن
داخل هذا المكان..
ويبقى
فى أعماقه هذا السؤال
المرعب...
الذى
لا يغادر عقله...
هلى
فقدها هى الآخرى..؟
هل
ماتت منى...؟
أم
مازلت تتنفس..؟
وسيكون
هذا اللقاء الأخير بينهم...؟
تعليقات
إرسال تعليق