رواية
الروح الثالثة
الجزء 17
تأليف محمد أبو النجا
فى جزء من الثانيه كان يوسف
يتخذ قراره الأخير ويقفز من السيارة
التى تغوص نحو الأعماق
فى تلك اللحظه إلى الماء المظلم
كان من المستحيل عليه أن يتمكن من
إنقاذ ناديه المقيده والحبيسه فى مؤخرة
السياره ..
حتى نادية الثانيه الشبيهه التى كانت تقود
السيارة وألقت بهم فى الماء
لم يعد لها أثر..
أختفت..
ولا يعلم مصيرها..
هل تعمدت قتله..!
هل إنتحرت...!
من
الصعب أن تنجو هى الأخرى
من هذا
الموت المحقق...
لا يوجد وقت للتفكير..
عليه إنقاذ نفسه أولاً..
هذا ما يمكنه فعله الآن...
أخذ يسبح للدقائق قبل أن يصل
إلى البر ويلتقط أنفاسه
لا يصدق أنه قد نجى..
وهو لا يعرف مصير الإثنان الشبيهتان
فى السياره معه..
أعتدل واقفًا ينظر للماء الهادىء المظلم
وقد أختفى أثر كل شىء..
وساد الصمت والهدوء..
وعقله يعيد ويكرر ما حدث...
وتسأل هل ما شعر به الآن ويراه
حقيقه أم كابوس مخيف..!
لا يمكنه الإستيقاظ منه...؟
**********
يعود يوسف إلى منزله وعقله
عاجز عن التفكير...
قلبه يعتصره الحزن والألم..
والحسره
والمرار...
كلما تخيل جثة ناديه مقيده داخل
السياره فى أعماق النيل تتساقط دموعه..
لقد عجز عن إنقاذها..
لقد ماتت وهو يفر هاربًا..
من أجل أن ينجو بنفسه...
لقد قتله حبيبته..
أو التى كانت حبيبته..
لقد تغيرت لم تعد تلك الفتاة الجميله
الرقيقه الهادئه التى عهدها..
لقد أصبحت شيطانه شريره..
قاتله..
لم تعد ملامحها تسكنها الملائكه...
ولا صوتها العذب يطيب جروح قلبه..
والسؤال الذى يقتله كلما دار بخاطره...
هو لماذا تفعل هذا..؟
لماذا تحولت وتبدلت إلى تلك الصوره
المخيفه..
والآن يبقى السؤال الأخير والأهم..
ماذا عليه أن يصنع الآن..!
هل يقوم بالإبلاغ عن ما حدث..!
يخبرهم أن تلك الفتاة قتلت ناديه..
وعليهم إستخراج جثتها..!
ربما لن يصدقه أحد...
ربما تم إتهامه بقتلها...
أم عليه الآن تبديل ملابسه المبتله
وأخذ حمام دافىء والنوم
وكأن شىء لم يكن..
كيف له أن يواجه ضميره..!
كيف له أن يعيش وهو يشعر بالذنب..!
بالضعف والجبن والعجز...!
يحتاج للحديث مع ولاء..
يحتاج لأخذ المشوره والنصيحه منها..
وأن تجد حل كعادتها له..
حل من أجله ...
ولكن لا يقوى على مصارحتها..
سيكون الأمر صعب هذه المره
كيف سيخبرها إن ناديه التى
يبحث عنها وينوى الإرتباط بها...
قتلت فتاة مسكينه لا ذنب
لها سوى إنها أحبته...!
وطلبت الزواج منه..
وكانت ع..
قطع فجأة رباط تفكيره
وقد اتسعت عيناه
لقد كان غبيًا وأحمق..
وعادت تتسع عيناه فى ذهول..
ربما لو لم تمت فهى الآن فى صدد قتل
الدكتوره ولاء..
ربما تلك هى الخطوة القادمه...
كيف له أن لم يفكر فى هذا...!
حياة ولاء فى خطر حقيقى ..
عليه إخبارها...
عليه تحذيرها
عليه حمايتها....
قبل فوات الأوان...
يبحث عن هاتفه الجوال لقد
تركه هنا من حسن حظه قبل
ذهابه وسقوطه فى الماء..
بسبب تعجله وإسراعه فى تلبية
نداء ناديه حين قدومها..
لكن أين تركه هنا ..؟
عليه البحث عنه بسرعه وأجراء
محادثه مهمه مع ولاء...
ها هوه..
لقد وجده..
عاد يمسكه ويلامس شاشته
ووضعه على أذنه حتى سمع الرنين
وصوت ولاء التى قالت :
يوسف غريبه إنته صاحى بدرى..!
يوسف : أنا لسه منمتش..
ولاء : ليه..؟
يوسف : مفيش وقت اشرح لك
المهم دلوقتى..
أنا عايزك فى موضوع مهم..
ولاء : مش هيكون اكتر من الموضوع
الأهم بتاعى..
عقد يوسف حاجبيه فى دهشه :
خير فى حاجه..؟
ولاء : مش هتصدق..
ناديه عندى هنا فى البيت..
يتراجع يوسف وتليفونه
يكاد يسقط من يده وهو يصرخ
: ناديه...!
ناديه عندك....!
ناديه مين..؟
ولاء : إيه يا دكتور متركز..
ناديه محمود هوه فيه غيرها..
يوسف : مش ممكن...؟
ناديه محمود ماتت..
ماتت غرقانه ومربوطه فى عربيتها..
ناديه الشبيها قتلتها...
وانا كنت هموت معاها..
ونجوت بأعجوبه...
ولو
هيه اللى عندك جت لك أمته وأزاى..!
ولاء فى صدمه : إيه اللى بتقوله
ده يا دكتور..
ناديه معايا مماتش ومستغربه
من كلامك..
يوسف : طب خلى بالك لتكون
اللى عندك دى مش ناديه...
مش
ناديه الحقيقه..
دكتوره ولاء إنتى حياتك فى خطر..
البنت دى مش طبعيه ..
الشبه الكبير اللى بينهم مش هتصدقيه
مكن أى حد يتلخبط بينهم...
عاد الصمت يسود للحظات وهو يكمل
دكتوره ولاء ....ألو..مش بتردى ليه..
ألو..
فجأة يسود الصمت..
وتعود المحادثه بينهم للإنتهاء..
ويسقط قلبه بين قدميه..
وهو يكرر ويعاود الإتصال..
لقد أغلق هاتف الدكتوره ولاء..
ربما أصابها مكروه..
ربما قتلتها تلك المجنونه أيضًا..
وعاد ينطلق مسرعاً بكل قوته..
يدعو الله أن يتمكن من إنقاذها...
يدعو الله أن تبقى على قيد الحياه..
ستموت وسيكون هو السبب وراء موتها..
قفز داخل سيارته القديمه..
وهو يجبرها على الإنطلاق بجنون..
بشكل لم تفعله من قبل..
بشكل يفوق إمكانيتها وقدرتها..
كان كالمجنون يشق الشوارع
ويدور فى كل إتجاه مختصر
ينفى برأسه وهو يحدث نفسه
لا لن تقتلها..
ولاء لم تمت..
بعد عشرة دقائق من هذا كان
يضرب مكابح سيارته..
وهى تصدر صوت قوى ويقفز منها
أمام فيلا الدكتوره ولاء..
لقد كان بابها مفتوحه على مصرعيه
والأضواء ساطعه فى كل مكان..
خفق قلبه بقوه ولم
تعد أقدامه تقوى على حمله..
إنه لم ولن يتحمل خسارة دكتوره ولاء..
يعود لضرب جرس الباب وهو يهتف
بصوت يسكنه الخوف والقلق..
دكتوره ولاء...
دكتوره ولاء..
لكنه لم يلقى أى رد..
مما دفعه للدخول فى حذر..
بخطوات بطيئه..مرتبكه..
لا يوجد أحد هنا..
لقد كانت تتحدث معه منذ قليل..
وكا...
بترت عبارته داخل عقله وهو يرى
على الأرض هاتفها الشخصى
يلتقطه لقد كان مغلق..
وعاد يدور برأسه وبجسده فى كل مكان..
وهو ما يزال ينادى ويكرر
دكتوره ولاء..
دكتوره...
إنتى
فين..؟
كان
يتمنى أن يسمع صوتها وردها...
فجأة رنين هاتفه...
إنه الرقم المجهول
الذى لا يمكن نسيانه
إنها ناديه الشبيها..
ناديه التى كان يعشقها وتحولت
إلى كابوس مخيف على أعتاب أن يبغضه..
ويكرهه...
يغلق عينيه فى خوف ورعب يتخيل
ضحكاتها الساخره كالعاده
وهى تخبره انها قتلت دكتوره ولاء..
يستمع إلى صوتها وهو يضع الهاتف
على أذنيه تقول ساخره :
متخيله إحساسك دلوقتى...
كنت بس من كام ساعه بتفكر تتجوز
مين فيهم..
دلوقتى مبقاتش لاقى حد فيهم..
يوسف : إنتى مجنونه..
مش ممكن تكونى ناديه اللى عرفتها
وعشت معاها أجمل أيام حياتى..
إنتى بتعملى كده ليه...؟
ناديه : عشان متكنش لحد غيرى...
يصرخ يوسف : وذنبهم إيه ناديه وولاء..
ناديه : ذنبهم إنهم بيحبوك...
ومحدش هياخدك منى
وأى واحده هتفكر تتدخلها حياتك هقتلها...
هقتلها زيهم...
يصرخ يوسف وهو يكاد يبكى :
إنتى قتلتى دكتوره ولاء..
تضحك ناديه ساخره : زعلان عشانها..
لسه فيها مفاجأة كمان...
يوسف فى حسره والصدمه تسيطر
وتكبل الكلمات بين شفتيه
لتقول وكأنها تشعر بهذا :
بجد صعبان عليه بس هعمل
إيه مش بأيدى..
أنا متخيله ألمك ودى خوفك وحزنك...
لكن لازم تجمد وتكون صلب وقوى..
مش عايزه اشوفك أو أحس إنك ضعيف
وإنته عمرك ما كنت كده..
يوسف : إنتى مجنونه..
أقسم بالله مجنونه ومش طبعيه..
أنا أزاى كنت بحبك..!
أنا أزاى فكرت فى يوم أرتبط بيكى..!
إنتى أزاى أتبدلتى بالشكل ده..
وبقيت شيطانه ..
مش ممكن قلبى وعقلى يصدقوا..
ناديه : كفايه بقى متوجعش قلبى..
متحاولش تصحى ضميره..
لأن الشباح ملهمش ضمير..
وبعدين إنته هتنسينى المفاجأة..
الجديده اللى محضرهالك..
يوسف بصوت ونبرات قلقه :
مفاجأة إيه مش فاهم..!
ناديه بسرعه على فيلا ناديه هناك..
هتلاقيها..
يوسف : مش فاهم..!
إيه اللى هلاقيه هناك...
تضحك ساخره : وده اسمه كلام..؟
هيه المفاجأة تبقى مفاجأة من غير
لما تشوفها بنفسك..
يالاه بس مضيعش وقت عشان تلحق
تنام ساعتين يدوب قبل الشغل..
الشمس خلاص بدأت تطلع...
ينطلق يوسف نحو سيارته..
وهو يصرخ فى صدره بكل أنواع
المرار ويشعر بتلك الجبال التى تذوب
من الحب فى أعماقه لتلك الفتاة...
لقد بدأ شعوره وأحاسيسه تتبدله
وتتلاشى ..
وتوقف بسيارته أمام باب الفيلا
المفتوح على مصرعيه هوه الآخر..
وبدأ الرعب يزحف على كل خلايا جسده
ويحتلها وهو يرتجل من سيارته
ويتحرك مسرعًا نحو الداخل
يحاول حقن شجاعته المنهاره بالتحمل
والقوة الزائفه...
المصطنعه...
ويدور برأسه فى أرجاء المكان..
وفجأة وجدها...
وجد المفاجأة التى لم يتخيلها...
وهنا سقط على ركبيته فى إستسلام...
فقد كانت بالفعل كارثه..جديده...
وصدمه رهيبه..
لم تتحمل فيها أقدامه حمله...

تعليقات
إرسال تعليق