رواية الروح الثالثة
الجزء 3
تأليف محمد أبو النجا
بالتأكيد لم يكن بالأمر الهين
لأى شخص حينما يكتشف
أن حبيبته أو العروس
هى فتاة قد ماتت منذ عامين..
أمر مستحيل..
ومخيف..
يتراجع يوسف عند سماع تلك الجمله
من العجوز أمها...
كانت كصاعقة التى هبطت على
رأسه من السماء...
وتحولت لجبل ثقيل على جسده...
وأنفاسه...
فلم يستطع التحدث ...
وقد تفجرت أحلامه الوردية ...
وتحولت أشلاء سوداء....
لا يمكن إعادتها ...
ويتبدل الحال من رجل كاد
يكون هو الأسعد على وجه الأرض ..
إلى أتعس مخلوق...
ما يراه ويسمعه كابوس
لا يصدقه عقل....
ليتسأل فى جنون
أى كلام هذا الذى تقوله تلك العجوز...؟
أى هراء..!!
نادية التى عاش معها قصة حب
لأكثر من شهر..
هى فتاة لا وجود لها..!!
ماتت !!
مستحيل..!
لقد رآها وأحبها وعشقها...
لمسها بيديه...
قبلها بشفتيه...
أحبته ...
وعاش معها أجمل وأصدق أيام حياته..
يتذكر سعادتها بالأمس ...
حينما طلب الزواج منها ..
فإن كانت تلك العجوز صادقة..!
فمن تلك الفتاة التى أحبها..؟؟
هى شبح.!
أم وهم.!
أم سراب.!
أم خيال صنعه عقله..!
كانت العجوز تتحدث وهو فى شرود تام...
لم يسمعها أو يتنبه لصوتها..
أخذ يلمم بقايا عقله ويصرخ قائلاً :
مستحيل اللى بتقوليه..
العنوان مظبوط أنا متأكد..
أنا وصلتها هنا أكتر من مره...!
أزاى جاى بتقولى دلوقت إنها ماتت..!
أكيد إنتى غلطانه...؟
العجوز بصوتً حزين : يابنى متقلبش
عليه المواجع
أنا بقولك الحقيقة اللى الناس
كلها عارفاها بنتى ناديه
ماتت من سنتين فى حادثة عربيه
والمنطقه كلها عارفه كده كويس...
لو سألت أى حد من جيرانى ....
هقولك نفس الكلام...
ينفى يوسف بيده فى ذهول : لا...لا..
أنا قابلت نادية وشوفتها ..
واتكلمت معاها...
وعاد للصمت للحظات كاد أن
يصرخ ويبوح عن حبه
حبه الذى ساقه لطلب الزواج منها ..
تتحرك العجوز جانبًا وتمد بيده
تدعوه للدخول : تعالى يابنى أتفضل
أرتاح شكلك تعبان...
تعالى خود نفسك واحكيلك حكايتك...
يستجيب يوسف دون أى تعليق
وهو يخطوا ويتحرك داخل الفيلا...
ويسقط بجسده على المقعد القريب
ويضع يده على جبهته ويمسحها
ويغلق عينيها للحظه
ثم عاد يرفع رأسه يتفحص المكان من حوله
ويسمع صوت إغلاق العجوز باب الفيلا
لقد كان الأثاث من حوله قديم
يكسوه التراب وعلامات الزمن ..
فجأة يتوقف وتتسع عيناه ويصرخ
وهو يعتدل واقفاً يرفع سبابته
نحو الصورة الضخمه المعلقه..
يقول بكلمات مرتجفه : هى دى ناديه..
ناديه اللى بحكيلك عليها..
تتنهد العجوز وهى تجلس بالقرب منه..
أقعد يابنى استريح وفاهمنى إيه الحكايه..
يعود يوسف للجلوس ويبدأ فى سرد قصته
منذ أن أعترضت سيارته وقام بتوصيلها..
وهى تستمع له فى تركيز وشغف
لا حدود له
دون أن تقاطعه أو تنبس ببنت شفة..
حتى أنتهى إلى لحظة وجوده الآن فى الفيلا..
تنفى العجوز برأسها : مش عارفه أقولك
إيه يابنى ..!
الكلام اللى بتقوله غريب..!
ومش مفهوم له معنى..!
ومش عارفه أكدبك والاه أصدقك...!
وعادت تدور برأسها نحو الصورة المعلقه
وترقرقت عيناه بالدمع وقالت :
ناديه كانت النور اللى بشوف بيه.....
من يوم وفاته والدنيا أسودت فى وشى..
وبقيت وحيده..
بتمنى الموت فى كل ليله عشان ارتاح..
هعيش ليه...!
ولمين..؟!
وعاد يهتز كل جسدها ويتأرجح..
فيقترب مسرعًا يوسف منها ويمسك
يديها ويجلسها على الأريكه القريبه
لترفع سبابة يديها اليمنى للأعلى قائله
بصوتً عليل : ممكن كوباية الماية اللى هناك
دى وكيس العلاج اللى جمبها...
يخطو يوسف مسرعًا ويعود ومعه
الكوب وحقيبة الأدويه
ليتفحصها قائلاً : دى أدويه مهدئه ومنوم
وفيتمانيات ومنشط للذاكره
تنظر العجوز فى تعجب : فعلأ لكن
إنته عرفت منين..؟
يوسف : أنا قولت لحضرتك إنى دكتور..!
العجوز : جايز يابنى..
أنا تركيزى بقى ضعيف زى نظرى..
يالله حسن الختام..
يوسف : بعد الشر عليكى يا أمى
ربنا يديلك طول العمر..
عادت تتناول حبات الدواء وتعود
تشير له : معلش ممكن العلبه الصفرا
اللى هناك دى
بعد لحظات كان يوسف يمد له
لترفع غطائها وتلتقط ورقه وتمد له بها
دى شهادة ناديه بنتى وهى فى السنه الثالثه
من كليه...
يقاطعه يوسف : فنون جميله..مش كده...؟
تتراجع العجوز فى دهشه :
وعرفت منين..؟
يوسف : أنا قولت لك فى قصتى
إن ناديه اللى قالت لى..
عادت تخرج ورقه ثانيه وتمد له بها
طب شوف دى بقى وفكر فى كلامك تانى
يلتقط يوسف الورقه الثانيه فى حير :
دى ورقة إيه..؟
العجوز شهادة وفاة نادية
يتراجع يوسف فى صدمه وتتجمد يدها
وهو يقرأ سطورها فى حزن
لقد كانت العجوز صادقه فى كل كلمه
ليعيد عقله ترتيب الأوراق
وينفجر منه بركانه من نيران الحسره
واسئله لا حصر لها..
ولا أجوبة لها..
ليقول : مش عارف أقولك إيه..؟
أنا مصدقك لكن مين اللى أنا قبلتها
نفس الصورة الأسم والأوصاف
والشخصيه...!
العجوز : جايز تكون هلوسه
يوسف فى حده : أرجوكى بلاش
الكلام ده أنا دكتور معروف وليه سمعتى
وتقدرى تتأكدى من كده..
العجوز : بنتى ماتت فى حادثه ودفنتها بأيدى..
وخدت عزاها..
والميت مبيرجعش...
ومتقوليش شبح..
ومش عيب لما تكون طبيب وتعرض
نفسك على دكتور تانى نفسانى متخصص
وتشرح له الحاله وتحكيله القصه
جايز يساعدك...
يوسف فى غضب : أنا متأكد من قواى العقليه
ومتأكده كمان إنى شوفت ناديه وكلمتها
وعاد للصمت لحظات ثم قال بكل شجاعه
: وحبيتها
تعتدل العجوز واقفه وقد ذهب فجأة مرضها
وضعفها وقالت فى عنف :
أرجوك كفايه لحد هنا...
الكلام ما بنا مبقاش هيفيد..
أفتكر إن الزيارة أنتهت..
شعر يوسف أنها تقوم بطرده..
بطريقة مهذبه ...
ليعتدل واقفاً ينظر لها قائلاً بهدوء :
على كل حال أنا بجد آسف
لو كنت سببت لك أى إزعاج...
وبعتذر لك مره تانيه
أستأذن..
وعاد يغادر الفيلا فى حزن ...
ومرار لا حدود له...
يستقل سيارته وهو يشعر برغبة عارمة..
لم يعدها من قبل فى البكاء الشديد...
وصرخه فى صدره شعر بأنه
تمزق ضلوعه ..
صرخه لو أطلقها لأسمعت كل البشر....
ويقترب من سيارته ويجلس على
مقعد القياده فى حسره وصمت
لا يقوى على الحركه...
فجأة ينظر على المقعد المجاور له
ويتراجع فى ذهول وصدمه
لا حدود له..
فقد كان ما يراه مرعب ..
أرتجف له كل جسده....
تعليقات
إرسال تعليق