رواية الروح الثالثة
الجزء 12
تأليف محمد أبو النجا
بأعين زائغه..
خائفه..
وأصابع مرتجفه..
كانت ناديه تسير بخطوات مسرعه..
فى أحد الشوارع الشبه خاليه..
كانت تشعر بأن هناك أقدام تتبعها..
تلاحقها..
هناك من يراقبها..
توقفت أمام ذلك البيت وضربت أجراسه..
وبعد لحظات كانت تسمع صوت فتح
الباب وهو يتحرك ويكشف خلفه
وجه وجسد صديقتها مديحه التى قالت
فى تعجب ودهشه : ناديه...!!
تدفع ناديه الباب بيديها وتدلف نحو الداخل
قائله فى خوف وهى تسقط على المقعد
القريب : هيقتلونى..
هيقتلونى يامديحه....
تغلق مديحه الباب بأصابعها اليمنى
وهى تقترب فى لهفه منها :
هما مين اللى هيقتلوكى..؟
ناديه مش عارفه..
لكن أنا حاسه بيهم...
ماشين ورايا فى كل مكان..
مديحه فى حيره : يابنتى
فهمينى الموضوع وحاولى تهدى شويه..
تبدأ ناديه إخبارها بالقصة بعد أن تركتها
فى المستشفى..
تطلق مديحه زفير طويل :
أنا ياما حذرتك...
ياما قولت لك الطريق ده اللى بتمشى
فيه مش لعبه..
وبعدين برضه يجوز اللى بتحكيه ده يكون مجرد
إحساس وملوش دليل..
انا أستبعد إن تكون غادة جاسوسه..
الكلام اللى بتحكيه ده كبير..
ناديه : أنا متأكده..
الصور الغريبه اللى على تليفونها..
المحادثات الغامضه اللى مش مفهومه..
برامج الحمايه الكتير اللى على تليفونها
تنفى مديحه بيديها :
كل ده برضه مش دليل قوى..
ممكن أوى تكونى غلطانه..
وغادة مظلومه...
ناديه : وممكن تكون مش بريئه
وتكون فعلاً جاسوسه..
وساعتها هكون غلطت غلطة عمرى
فى إنى أخدم وأحمى وطنى...
مديحه : طب والحل..؟
ناديه : مش عارفه..
لكن صدقينى أنا حاسه من ساعت
ما كنت عند غادة فى المسشتفى إمبارح
وحد بيراقيبنى..
كمان لو شوفتى نظرات الخوف
والغضب على ملامح غادة لما صحيت
ولقيت معايا تليفونها..
هتصدقينى..
مريبه فعلاً ..
وتخليكى تشكى..
مديحه : طب والحل ناويه على إيه...؟
ناديه : مفيش قدامى غير المقدم
حازم عبد المولى..
تعقد مديحه حاجبيها فى دهشه وهى تتحرك
وتجلس على المقعد المقابل لها :
ويبقى مين المقدم حازم..
ناديه : دا كان صديق بابا الروح بالروح
مفيش قدامى حل غير إنى أروح له
وأحكيله اللى حصل
وأشوف رأيه...
مديحه : هتقولى له إنك أخترقت تليفون
غادة..
ناديه : هقوله كل حاجه..
أنا الأهم عندى دلوقتى إنى أبلغ
عن غادة وأحمى بلدى من شرها..
وأريح
ضميرى...
حتى لو دفعت عمرى فى سبيل ده
هكون راضيه...ساعتها...
***********
أنطلقت تلك السياره الأجره تشق
طريقها وفى داخلها ناديه التى ما
تزال تشعر بذلك التوتر والخوف العارم
قاطعها رنين هاتفها وصوت مديحه
على الجانب الأخر يقول : عماله بتصل بيكى
أكتر من مره مبترديش..
ناديه : كنت عامله تليفونى صامت مسمعتش..
مديحه : إنتى إظاهر كان عندك حق...
ناديه فى تعجب : أزاى...؟
مش فاهمه..!
مديحه : بعد ما خرجتى من عندى
بصيت عليكى من الشباك
لقيت زى ما يكون فيه عربيه
سودا كانت واقفه ومشيت وراكى...
أنا عارفه إنى ممكن أكون بخوفك بكلامى
لكن حبيت أحذرك...
ناديه : يعنى أعمل إيه دلوقتى
مش عارفه...
أنا خايفه أوى...
مديحه : مش عارفه أنا كمان
أقولك إيه...!
ولو...
فجأة تسمع ناديه صوت ضجيج عنيف..
وينقطع الإتصال معها ومع مديحه
لتصرخ وهى تكرر الإتصال من جديد
لكن مديحه لم تجب...
ليتملك الرعب من قلبها..
وتتسأل هل حدث لصديقتها مكروه..؟
يبدو أن الأمور تتفاقم..
وتزداد صعوبه...
ربما لو إتجهت إلى قسم الشرطه
حيث المقدم حازم لقتلوها قبل الوصول
ولو عادة لرؤية صديقتها مديحه لقتلوها..
وبالتأكيد هم مترابصون أمام منزلها
فى إنتظار إقتناص روحها..
أو ربما كان كل هذا مجرد وهم..
ولا أساس له من الصحه..
يقاطعها صوت سائق السياره وهو يضرب
مكابحها : وصلنا ياباشا..
تنظر ناديه إلى قسم الشرطه وتشعر
بأن عشرات الأعين تنظر لها..
سيقتلونها فور هبوطها من السياره
لتفكر بسرعه وتقول للسائق :
معلش أطلع بينا على طول..
مط السائق شفتيه : زى ما تحبى...
ظلت ناديه تفكر وهى للمره الأولى
فى حياتى التى ينتابها
ذلك الشعور الرهيب بالخوف
والرعب وهى لا تجد ملجأ
ولا منفذ للهروب من تلك الورطه التى
سقطت فيها..
لتجد نفسها دون أن تشعر تذهب
إلى آخر مكان كانت تتخيل
أن تتجه له...
إلى أختها نوال..
كانت دموعها تتساقط وهى ترتجل
من السياره نحو باب المستشفى...
لقد كانت تحتاج إليها بشده
تحتاج إليها بشكل لم تعهده من قبل..
تحتاج إلى حضنها..
ولنصيحتها...
بعد لحظات كانت تجلس امامها...
ويسود الصمت بينهم...
كانت نوال تتفحص ملامحها..
وكأنها تشعر بمحنتها..
تشعر بألمها..
وخوفها...
ولكن هناك حاجز بينهم يمنعهم
حاجز إسمها المرض..
إسمه الجنون...
تتساقط دموع ناديه قائله :
أنا محتجاكى أوى يانوال...
أنا خايفه...
مش عارفه أعمل إيه..
أنا حاسه إنهم بره هيقتلولنى..
نفسي تتكلمى..
تنصحينى....
تقولى لى أعمل إيه...!
أروح فين...؟
الدنيا ضاقت بيه..
جيت لك حسيت إنى محتاجه حضنك...
كانت ناديه تتحدث بلا توقف
تشعر ان نوال تسمعها..
تسمعها بكل تركيز ..
لكنها عاجزة عن الرد...
(أستاذه ناديه)
تلتفت ناديه إلى مصدر الصوت
وتحاول كتمان دموعها المنهمره
امام الدكتور فوزى الذى اقترب منها
مالك يابنتى..
تحاول ناديه السيطره على مشاعرها
المنهاره : مفيش يادكتور...
فوزى : مفيش أزاى بس..!
ناديه : زعلانه عشان نوال أوى...
فوزى : يابنتى قضاء الله
ولازم نرضى بيه..
محدش عارف الخير فين..
بس برضه إنتى فيكى حاجه مخبيها..
قولى يمكن أساعدك..
أنا كنت صديق المرحوم والدك..
الله يرحمه وف مقامه..
أحكيلى..
فضفضى...
تنفجر الدموع أكثر فى أعين ناديه
وهى فى إنهيار تام..
أنا حاسه بالوحده أوى يادكتور..
فوزى : بالوحده أزاى بس..!
هيه مش ماما موجوده وعلى وش
الدنيا..!
ربنا يخلى هالك..
تنفى برأسها : المشكله اللى عندى
مينفعش ماما تعرفها..
ماما مريض جداً وحاجه زى دى
لو خدت بيها خبر ممكن تخلص عليها..
يغمغم الدكتور فوزى : دى الحكايه
كبيره بقى..؟
طب إتفضلى معايا مكتبى تشربى حاجه
وتحكيلى...
ناديه : بس ياريت نوال تكون
معانا أنا محتجاها جمبى أوى..
أومأ الدكتور فوزى برأسه :
مفيش مانع..
وبدأت ناديه تتبعه وهى لا تجد حلاً
أخر سوى ذلك.
وبدأت تروى له قصتها منذ البدايه..
يتنهد الدكتور فوزى وهو يعقد
ساعديه امام صدره :
والله كل اللى بتحكيه جايز يكون
فعلاً وهم..
وملوش أساس من الصحه..
وإن شاء الله تكون مديحه بخير..
يجوز تليفونها مقفول بسبب
حاجه تانيه..
فصل شحن مثلاً..
تنفى ناديه برأسه : مش عارفه
يادكتور فوزى..
أنا متوتره...
ومش قادره أفكر ولا أخد قرار..
بس لازم أوصل للمقدم حازم..
أكيد هيكون عنده حل..
ياريت كان معايا رقمه..
وحسيت لو أنا نزلت من التاكسي
هيقتلونى...
أنا حاسه بيهم..
حاسه إنهم ماشين ورايا فى كل مكان..
الدكتور فوزى : أنا عندى حل
جايز يكون غريب بس ده هيرحنا..
وهيقطع الشك باليقين..
حل جايز يكون غريب شويه..
ناديه فى تعجب : حل إيه...؟
فوزى : نتأكد إن فيه حد فعلاً
ماشى وراكى وبيراقبك..
والحل ده فى إيد نوال أختك..
تتراجع ناديه فى قمة التعجب..
وهى تطلق إسم أختها فى ذهول :
نوال...!
الحل عند نوال أزاى..؟
كانت نوال تتابعهم فى صمت..
تنظر لهم ..
كالطفله التى ما تزال فى نعومة
أظافرها لم تتعلم نطق الأحرف بعد..
بوجه ملائكى تراقب الموقف..
لا يعلمون إن كانت تفهم ما يدور أم لا...
ناديه فى حيره : ممكن تشرح لى فكرتك
يادكتور..؟
يعتدل فوزى ويقوم بالسير بجانب نوال
وهو يشير لها : نوال هتلبس
هدومك وهتخرج من المستشفى..
وأنا وإنتى هنخرج وراها من باب تانى
هنشوف ونتأكد هل فعلاً ...
فى حد بيراقبك وماشى وراكى أو لاء..
ناديه : طيب ما أخرج أنا لوحدى وتتأكد
إنته بنفسك من غير ما تخرج نوال...
ينفى فوزى برأسه : متنسيش إن حياتك
جايز تكون فى خطر...
ناديه بصوت حاد : بس أنا كده
بعرض أختى للخطر..
أنا برميها فى النار مكانى...
دى ممكن تموت...
فوزى : إن شاء الله مش هيحصل ليها
حاجه متخفيش..
تنفى ناديه بيديها : لاء..
لاء يادكتور...
أنا مش موافقه على الفكره دى خالص..
أنا لا يمكن أكون بالواقاحه دى
وأقتل أختى بنفسي..
أنا مش ندله..
أنا...
يقاطعها كل هذا تلك اليد البارده التى
لامسة يديها...
لقد كانت أختها نوال..
لقد تحركت ومسكت يديها وأصابعها...
تتراجع ناديه فى ذهول وصدمه
لا حدود لهما وهى تصرخ :
مش ممكن..!
نوال زى ما يكون فاهمه...!
مش ممكن.!
أنا مش مصدقه..!
نوال أرجوكى أتكلمى...
فوزى : نوال لا يمكن تكون فاهمه
ولا مستوعبه كلامنا
دى حركه لا شعوريه منها..
لا
إراديه...
يعنى ملهاش معنى..
تنفى ناديه : لاء..
أنا حاسه بتوءمى...
حاسه إنها فهمانى..
فوزى : لو فاهمه يبقى
هيه موافقه على كلامى ..
على خطتى...
ناديه : أنا كده ممكن أقتل أختى...
فوزى : وإنتى لو موتى..
هتكون خساره أكبر..
أكيد المقدم حازم هيحتاج يسمعك
ويعرف المعلومات اللى وصلتى ليها.
التحقيق هيكون محتاجك...
البلد محتاجكى..
يسود الصمت بينهم للحظات..
ونوال تنظر لإختها..
وكأنما تخبرها بأعينها..
نعم أنا أوافق على هذا القرار...
******************
بعد نصف ساعه
كانت نوال ترتدى ملابس ناديه
لتصبح صورة مطابقه لها...
وتتحرك مع الدكتور فوزى وهو
يقول لرجل من عمال المستشفى :
هتوصل الأستاذه بره وتركبها تاكسى..
وتقول للسواق يوديها
قدام برج القاهره..
وعاد ينطلق نحو ناديه..
يالله بينا هطلع عربيتى من الباب الخلفى
ونمشي من بعيد ورا التاكسى...
وبعدين إنتى هتنزلى هتروحى للمقدم حازم
وانا هكمل مع التاكسي
وأجيب نوال وأرجع بيها..
وبكده لو حد بيرقبك هيمشى
ورا نوال وهنضلله...
وانتى تخلصى مهمتك..
أومأت ناديه برأسها...
لكن فجأة يقاطع كل هذا
ذلك الصوت والإرتطام القوى..
وناديه تصرخ فى جنون..
وهى تشاهد بعينيها..
من بعيد هذا المشهد
لتلك السياره المسرعه
التى إرتطمت بإختها نوال
وألقت بها بعيدًا...
جثة هامدة...
تعليقات
إرسال تعليق