رواية الروح الثالثة
الجزء 7
تأليف محمد أبو النجا
تتراقص الدموع فى أعين يوسف
وهو يشاهد صورة حبيبته نادية
وهى عبارة عن جثة هامدة
كأن خبر يسمعه الآن..
يشعر بذلك الألم الذى يعتصر قلبه
تلاحظ ولاء ذلك على ملامحه فتقول :
كمان معايا صورة للتقرير واللى بيؤكد
كل اللى حصل بالتفصيل فى الحادثة
يوسف : معقول ..!
أن مش مصدق إنى شايف صورة ناديه..
ولاء : مفيش مجال للشك..
إحنا دلوقتى قدام حقيقتين مؤكدتين
إن ناديه محمود ماتت من سنتين
وبالدليل..وبالصور..
ونوال توءمها مريضه عقلياً من
سبع سنين فى المستشفى
وده معناه إن اللى كانت معاك مش
حد فيهم دى واحده تالته...
يوسف : مستحيل..!
مش ممكن..!
مش معقول تكون تالته...!
ولاء : ومش معقول تكون توءم
أنا كمان أتأكدت من المعلومه دى قبل
ما أجيلك...
هما إتنين توءم بس..
يوسف فى تعجب يردد : أتأكدتى..!
ولاء : مش هكدب عليك أن بدأ
الفضول يجننى أنا كمان..
الموضوع بقى غامض أوى
ومخيف...
ونفسي أكشف السر..
وأحل اللغز ده...
يوسف : وطبعًا مستبعد تكون شبيه
لأنها مش ممكن توصل لدقة الشبه ده
ولاء : ولو إفترضا وجود واحده بنفس
الشبه ليه أخدت إسم وشخصية
نادية محمود ...
واصطنعت قصة حبك معاك..
يوسف فى تعجب : إصطنعت..!
ولاء : أيوة..وده إحتمال كبير..
يوسف : قصدك إنها تعمدت تخلينى أحبها...
ولاء : إنته عندك شك..
اولاً وجودها قدام عربيتك فى توقيت
متأخر
أجبرك إنك توقف وتاخدها معاك فى العربيه
نسيانها لشنطتها..
صورتك اللى كانت فيها..
واضح أوى إنها خطه عشان توصل
لغرضها..
وهو قلبك..
ينفى يوسف برأسه : مش ممكن..!
الحب اللى عشتها معاها مش معقول
يكون وهم..
أو كدب..
أو مصطنع..
أو بتغشنى..
ولاء : أكيد الحقيقه هتكون صعبه..
ومؤلمه..
لكن لازم تواجهها..
هى تعمدت تعمل فيك كل ده...
تحبها وتوقعك فى غرامها وبعد كده
تبعد وتسيبك فى حيره
وألم وعذاب...
ومرار عمال تقاسي فيه..
ليل ونهار...
صدقنى : البنت دى بتنتقم منك...
يضحك يوسف ساخرًا وهو ينفى بيده
: لاء..لاء يا دكتوره ولاء عقلك
وخيالك راح لبعيد...
بعيد جدًا..
وهتستفيد إيه !
أنا لا عمرى كنت أعرف نادية
ولا شوفتها قبل كده عشان تنتقم منى
ولا ليه أعداء..
ولا عمر عملت أى حاجه تضر أى مخلوق...
مطَت ولاء شفتيها وهى ترفع كتفيها :
أنا قولت اللى عندى وجوايا يقين بيه..
وبكره الايام تثبتلك صدق كلامى..
*********
يجرى بين أشجار كثيفه عاليه
حافى القدمين ...
فوق أرض شائكه متعرجه.
هناك صوت هاتف يناديه...
إنها ناديه..
لكنه لا يراها..
الأمطار تهطل بشده..
أمطار من مياه ساخنه ملتهبه...
متاهه من الأشجار لا نهاية لها...
تشتعل فجأة كلها ..
سيحترق بلا شك..
طريق مسدود أمامه..
وشجره ضخمه تسقط وتهوى نحو
رأسه...
ولا مفر من الإصطدام...
يستيقظ...
وقلبه يخفق..
وأنفاسه متسارعه....
كان كابوس مخيف....
ينظر لساعة يديه....
يعتدل يأخذ حمامه
و يرتدى بعدها ملابسه
فجأة تلمح عينيه حقيبة نادية
التى لازالت معه..
لكنه لم تكن فى المكان الذى وضعها به...
لقد جاءت على الطاوله فى منتصف شقته..
هناك من جاء به هنا..!
من فعل ذلك..؟
هناك أحد دخل شقته بطريقًة ما..!
يقترب بخطوات حذره من الحقيبه
يلتقطها ..
لقد كانت مفتوحه...
وبها ورقه مطويه...
يمسكها فى عجاله لمعرفة ما تحتويه..
لم تكن بها سوى كلمة واحده
(المقبرة)
يتراجع يوسف فى صده
وجسده يرتجف
وقلبه يدق فى خوف...
لقد كانت الحقيبه خاليه..!
من جاء شقته ...؟
وكيف دخلها...!
ووضع تلك الورقه..!
وما الذى يقصده بكلمة المقبرة..!
أى مقبرة...!
فجأة رنين هاتفه..
يشعر بالرعب فجأة مع أول رنينه
لقد توترت أعصابه...
لقد كان إتصال من الدكتوره ولاء
التى قالت : إنتى مش جاى
النهارده المستشفى..؟
أتأخرت ليه..؟
يوسف أنا عايز أقابلك ضرورى..
ولاء فى تعجب : مالك..!
حصل حاجه...!
فى جديد..؟
يوسف : أيوه لازم أشوفك حالًا
*****************
(مش فاهمه)
نطقت ولاء جملتها داخل سيارتها
وبجانبها يوسف يمسك تلك الورقه
التى وجدها فى حقيبة ناديه
قائلاً : أنا كمان مش فاهم...!
أنا كنت حاطط الشنطه فى درج مكتبى
فجأة لقيتها على التربيزة فى وسط الشقه
مفتوحه ...!
وفيها رساله من كلمة واحده المقبرة
تتنهد ولاء : وازاى دخل شقتك الشخص ده...؟
ومين هوه أصلاً..!
وعرف المكان اللى حاطط فيه الشنطه ازاى..!
ده حد بيلاعبك...
حد بيخوفك...
يوسف : برضه يقصد إيه بالمقبرة..؟
ولاء : مش عارفه..؟
بس واضح إن فى حد بيراقبك..
وبيعرف كل خطواتك...
بس هو مين..؟
وهيستفيد إيه..؟
يوسف : أو يجوز بيساعدنى..
ولاء : لو بيساعدك كان وضحلك يقصد
إيه بكلمة المقبرة..
ده زى ما قولت لك بيلاعبك...
أو بيخوفك...
وعارف قصتك...
يوسف : يعنى ممكن يكون عارف
مكان ناديه..؟
أو ليه أختفت..
أو..
عاد يقاطع حديثه وتتسع عيناه وكأنما
أصابته فكرة ما فجأة ليقول :
أو يقصد مقبرة ناديه..
ولاء فى تعجب : إنته بتفكر أزاى...؟
يوسف : أوه صدقينى أنا دلوقى فهمت..
إنه يقصد المقبره اللى إدفنت فيها
ناديه....
ولاء : وهيقصد بيها إيه..؟
هيطلب منك مثلاً تروح لها...
يوسف : أو أفتحها.......
ولاء : إنته إتجننت ...
تفتح المقبره..!
يوسف : يجوز زى ما قولت لك الشخص
اللى ساب لى الرساله دى بيساعدنى..
تنفى ولاء بيديها : أنا مش معاك
فى الفكره الغبيه دى خالص..
أولاً حرام تعمل كده...
ثانياً مش هتلاقى حاجه..
ناديه دى المفروض ماتت
وإدفنت من سنتين
يوسف : أنا خدت القرار خلاص
ومفيش قدامى بديل أو حل تانى.
ولاء : دانته إتجننت بجد..!
يجوز صاحب الرساله دى
كان ده هدفه...
يجننك..
مط يوسف شفتيه : ولو فضلت
أفكر فى الرساله هتجنن أكتر...
الخطوه الجايه والصعبه أزاى أعرف
مقبرتها وفين مكانها..
يسود الصمت بينهم للحظات
قبل أن تقول : بتبص لى كده ليه..؟
أنا عارفه بتفكر فى إيه..؟
عايزنى أساعدك وأعرف لك
فين مقبرة نادية صح...؟
يبتسم يوسف إبتسامه شاحبه :
أكيد هتساعدينى وأنتى عارفه
إن مليش غيرك هيساعدنى وهيقف جمبى
تتنهد ولاء وتطلق زفيرها..
ويسود بينهم حاله من الصمت
الطويل أكثر هذه المره
وهى تشعر بهذا الصوت الخافت من عقلها
الذى يوبخها ويلعنها على هذا الضعف
الذى تلقاه دائمًا فى حضور هذا الرجل
الذى تعشقه...
********
العاشره ونصف مساءاً
تتوقف سيارة ولاء أمام تلك الساحه
الموجوده بالمقابر وتهبط منها مع يوسف
كانت أقدامها مرتجفه
متردده ..
مهتزه.
تقول فى صوت متجلجل :
أنا مش عارفه أزاى طاوعتك
وجبت لك العنوان..!
وكمان جيت معاك..!
وفى الوقت المتأخر ده...!
أنا أزاى عملت كده..!
يوسف : حقك عليه...
الموضوع مش هياخد دقايق مننا..
عادت ولاء تسير بذلك الكشاف اليدوى
الذى يضىء لهم الطريق
وبعد قليل توقفت وهى ترفع سبابته
لينظر حيث تشير
ويتراجع فى حسره
وقلبه يخفق بقوه وبألم
وهو يرى على تلك المقبره
إسم حبيبته..
فقيدة الشباب نادية محمود
كم تمزق قلبه دون أن يعرف السبب
لتقاطع شروده و تنهيدته الحزينه
ولاء التى قالت : أدينا وصلنا..
ناوى على إيه..؟
المقبره مفهاش أى حاجه..
يدوبك إسمها..
زى ما قولت لك وتوقعت..
فجأة يخرج يوسف تلك المطرقه الصغيره
لتتراجع ولاؤ فى صدمه تصرخ :
يزسف إنته ناوى على إيه..؟
اللى بتعمله ده حرام..
لم يلتفت لها يوسف أو يسمعها
لقد هوى على المقبره بالمطرقه
وهى ما تزال تحاول ثنيه أو إقناعه
على أن يتراجع عما يفعله
لكنه تجاهل كلماتها.
لم ينتبه أو يسمعها
كان ينصب عرقًا ..
ويتناثر التراب فى وجهه..
ولم يبالى ..
وتحطمت المقبره..
وتوقف يأخذ أنفاسه..
وجذب الكشاف من يديها
وسلط نوره نحو الدخل
ليتراجع فى فزع للوراء وهو
ويسقط أرضًا على ظهره .
فقد كان ما يراه داخل المقبره
شيئًا مرعبً..
لم يتوقع رؤيته..

تعليقات
إرسال تعليق