رواية الروح الثالثة
الجزء 15
تأليف محمد أبو النجا
وكأن الزمن توقف بالدكتور يوسف
وهو يتفرس ملامح ناديه فى صمت
وسكون تام
فى حاله يرث لها
تقاطع شروده الشديد قائله :
أنا عارفه إن كلامى مفاجىء ليك
وجرىء..
وبقدملك عرض مكنتش متخيل
تسمعه منى..
ومش عارفه أنا قولته أزاى..
لكن يجوز حبى ليك خلانى مشفش
أى حاجه غير إنى أصارحك..
وأقربك منى..
وألفت نظرك لحاجه جايز عمرك
ما كنت هتاخد بالك منها
أو هتحسها بسبب تطابق الشبه
بينى وبين حبيبتك ناديه...
وعاد الصمت بينهم فتقاطعه من
جديد : إنته ساكت ليه...؟
مبتردش على كلامى..
يتنهد يوسف : مش لاقى كلام..
ومش عارف أقولك إيه..
جايز يكون كلامك منطقى...
إنى بحب إنسانه تشبهك بالظبط..
ومفيش إختلاف بينكم
ومش هنكر إنى عارف حقيقة مشاعر
الدكتوره ولاء من مده كبيره
ومش هنكر إنها بنت يتمناها
أى راجل ومفيش خلاف عليها...
وبرضه مش هنكر جمالك ولا رقتك
ولا الشبه الرهيب بينك وبين
الإنسانه الوحيده اللى حبتها
فى حياتى لكن عارفه الفرق بينكم
أنتو التلاته إيه....
ناديه فى تعجب ولهفه : إيه الفرق..؟
يوسف بصوت هادىء : الروح....
عقدت ناديه حاجبيها فى دهشه تردد :
الروح...!!
يعنى إيه...؟
يوسف : إحساسى بيها مختلف..
وجودها مختلف..
حضورها
مختلف...
روحها مختلفه..
مشاعرى ليها مختلفه...
والفرق الأكبر إنها الوحيده
اللى تُملك قلبى..
تشعر ناديه فى أعماقها بالغيره
الشديده والحقد من تلك الفتاة
لتطلق زفيرها قائله بصوت حاد :
أفهم من كده إنك بترفض كلامى...
وبترفض مشاعرى...
وأغلقت عيناها للحظات وقد
تترقق بالدموع قائله
:
بترفض تتجوزنى..
يوسف : تفتكرى لو أتجوزتك دلوقتى
هتكونى سعيده معايا..!
ناديه فى تعجب : مش فاهمه..؟
تقصد إيه..؟
يوسف : يعنى إيه شعورك
وأنا متجوزك عشان بس
إنتى شبه واحده بحبها..
متجوزك بس عشان صوره منها...
لكن مش هتكون فيه مشاعر بنا..
هتكون مشاعر جافه...
ومنعدمه...
مش هقدر أديكى اى أحساس بالحب..
ناديه : بس هتكون معايا..
هتكون ليه...
هتكون جمبى..
يوسف : يعنى إنتى راضيه
تكون علاقتنا مجرد جسد فقط
مفيش بنا حب...
ناديه : لكن هفضل على أمل
إنك ممكن تحبنى..
عاد الصمت بينهم للحظات..
لتقاطعه بصوت حزين :
عارفه إنك بتفكر وأنا فعلاً
محتاجه ردك فى أسرع وقت
لأنى بعدها هبنى عليه نتايج تانيه.
عقد يوسف حاجبيه فى دهشه :
نتايج تانيه يعنى إيه...!
مش فاهم...!
ناديه : أنا همشى..
هسافر بره مصر...
هروح دبى..
تتسع عين يوسف فى صدمه
يقول فى صوت منفعل قوى :
تسافرى...!
أومأت برأسها : أنا ليه
ذكريات فى مصر مؤلمه..
ومبقاليش حد غير ماما..
هاخدها وأسافر دبى..
هشتغل هناك..
هحاول أنسى الماضى بكل أوجاعه..
بكل ذكرياته المؤلمه..
يشعر يوسف بذلك المرار وتلك
القبضه الحزينه التى أعتصرت قلبه
دون أن يدرى سببها..
وإحساسه بالحزن من سماع حديثه..
والخوف من ان يفتقدها هى الأخرى..
حتى دون أن يحبها..
علامات من الحيره لا يجد
تفسير لها..
ليقاطع سكونه ممكن منتكلمش
فى الموضوع ده دلوقت..
أنا محتاج أنام وأرتاح واعيد حساباتى...
أومأت ناديه برأسها وأنطلقت بسيارتها
ويوسف يشعر بذلك الحنين
والشوق لحبيبته..
إحساس برغبه عارمه فى رؤيتها...
وحينها أيقن فى أعماقه..
أن صورة ناديه المتمثله فى تلك
المخلوقه التى جانبه
لا تروى شوقه أو حنينه..
فهى ليست حبيبته..
ولا روحها...
ولكنه سيشعر بحزن رهيب إن فقدها
هى الأخرى..
وغادرت وأختفت مثلها...
ولم يجد رد داخله لهذا الشعور
والإحساس المختلط الغير مفهوم...
*********
جلس يوسف فى مكتبه داخل المستشفى
وهو فى حاله من السكون والشرود التام...
يفكر فى كل ما حدث له....
يتذكر عرض ناديه بالزواج منه..
لقد كانت مفاجأة غير متوقعه..
إنه تخبره إنها أحبته..
ولكن هل من الممكن أن تحبه بمثل
هذه السرعه..!
فى هذا الوقت القصير..!
هل من المنطقى أن تعرض عليه
أمر الزواج بهذه السهوله..!
أن تحبه دون ان يتقابلا أو يتكلما
كثيرا..!
هناك حلقه أو لغز جديد فى هذا
الأمر...!
ولكن ماذا إن كانت بالفعل صادقه
فى مشاعرها ..؟
وفى رغبتها فى الزواج منه..!
ماذا لو تركته وسافرت كما أخبرته
وفقدها هي الأخرى..
وخسرها...
وخسر صوره مطابقه لحبيبته..!
عقله فى تشتت وتوتر..
ربما شاءت الأقدار أن تختفى
حبيبته للأبد...
ولن تعود لسبب ما..
ماذا سيكون مصيره فى تلك اللحظه..؟
ربما فرصة زواجه من ناديه الحقيقه
هى الحل..
هى التخدير لآلام قلبه وعقله وحنينه..
ربما صورتها التى ستكون معه هى البديل
المؤقت لصد أوجاعه...
ربما أحبها يومًا
من يدرى...!
يجب عليه التفكير وإتخاذ القرار بسرعه
قبل رحيلها...
يقاطعه طرقات باب الحجره
لقد كانت الدكتور ولاء فى كامل أناقتها
وأنوثتها وسحرها المفرط بالجمال
تقترب وتجلس بالقرب منه
ليخفق قلبه بقوه لقد كانت فاتنه
وجذابه فى تلك اللحظه بشكل
لم يعهده من قبل..
بشكل جعله يفكر من جديد
كيف له أن يرفض حب فتاة مثلها..
بهذا الجمال وهذا السحر ...!
وهذه الرقه..
كيف يرفض قلبها الذى
يعشقه دون أن يخبره يومًا بهذا...!
من حياءه وخجله...
سيكون رفضه حب الدكتوره ولاء
بمثابة الخساره الفادحه فى حياته..
وربما تكون جريمة عمره
فى حق نفسه...
يقاطع سكوته المتكرر صوتها العذب
وإبتسامتها التى تهتز لها الجبال
قائله : مالك..عماله بقولك
صباح الخير...مبتردش..!
يوسف : أنا مسمعتكيش..
تنفجر ضاحكه بشكل كادت أن توقعه
مغشيًا عليه بسبب هذا الجمال الصاخب
ليرتجف قلبه ويعصر ضلوع صدره
ويهب فيه منفعلًا : لا يمكن
أن تخسر أو تفقد تلك الفتاه من حياتك..
زواجك من شبيهة حبيبتك ناديه لن يكون
الحل الصحيح..
ستبتعد ولاء عنك..
بالتأكيد لن تتحمل عقابك القاسي
من الزواج بغيرها..
ورد فعلها لن يتكون متوقع..
ولكن من المؤكد والأرجح هو
خسارتها وهذا الشىء
لن يقبله أو يرضيه...
ولا يتمنى حدوثه...
يقاطعه صوتها : إنته مالك النهارده...؟
فى حاجه حصلت..؟
مطَ يوسف شفتيه وهو يهز رأسه :
أيوه..حصل حاجه مكنتش
تخطر على بالى...
يخفق قلبها وهى تميل نحوه :
خير حصل إيه....؟
مسح يوسف بيده جبهته وهو يفكر
كيف له أن يخبرها بهذا الأمر..
ربما تكون فعلته تلك هى حماقه
جديده يرتكبها فى حق تلك
الفتاة المسكينه..
وشعر بعجز فى التراجع عن قرار
الإفصاح الذى قد إتخذه...
ليكمل فى هدوء : مش عارف
أقولك إيه...بس
حاسس إنى محتاج رأيك..
ولاء بأعين حائره : يا دكتور
يوسف إتكلم قلقتنى....؟
فى حاجه حصلت..؟
يوسف فى هدوء : ناديه..
تتراجع ولاء فى تعجب :
ناديه مين....؟
أقصد ناديه مين فيهم..؟
اللى إختفت..!
والاه الحقيقيه اللى معانا...؟
يوسف : لاء ناديه الحقيقه
اللى معانا...
ولاء : خير مالها...؟
بعد سكون للحظات قال بصوت هادىء :
طلبت الإرتباط بيه...
ولاء فى تعجب : مش فاهمه..!
يعنى إيه طلبت الإرتباط بيك..؟
يوسف : طلبت تتجوزنى..
تعتدل ولاء من مقعدها فى صدمه
واقفه لا تصدق ما تسمعه وقد
شعر بإنه بالفعل قد إرتكب خطأ
بفعلته تلك وبإخبارها
ما دار وحدث بين ناديه لتقول
ولاء بصوت ضعيف :
وإيه ردك على طلبها ده..؟
يتنهد يوسف : متكلمتش...
مقولتش حاجه..
ولاء : لكن برضه أكيد جواك رد..
أكيد موافق أو مش موافق..
شعر يوسف بأنه قد ورط نفسه
حين أخبرها ليقول فى إرتباك :
أنا كمان مش عارف..
ولاء : يعنى إيه مش عارف...؟
واحده بتقولك عايزه تتجوزك..
مفيش تردد..
لازم يكون إختيارك محدد..
وحازم..
بإنك تقول آه...أو لاء..
عايزها والاه مش عايزها...
شعر يوسف إن حديثه ما هو
إلا مجرد إختبار منها لجس نبضه
ومعرفة حقيقة شعوره..
ليقول بكل ثقه : صدقينى
يا كتوره ولاء مش عارف أخد قرار..
هيه فعلاً تشبه الإنسانه اللى كنت أتمنى
أرتبط بيها..
لكن مش هيه..
ولاء
: يعنى بترفضها..
يوسف : فى نفس الوقت خايف أرفضها..
وهيه نفس ملامح ناديه..
واللى ممكن مشفهاش تانى..
ولاء : بخلاف إن طلبها جرىء شويه..
لكن أن شايفه إن ممكن جوازك منها
ميكنش حل..
بالعكس ممكن تكون مأساه..
يوسف فى تعجب : أزاى....؟
ولاء : هتفضل عمرك تشوفها
مجرد صوره...
مجرد جسم..
مش هتكون فيه مشاعر بينكم..
هيكون فى نوع من الفطور..
أو الإحاسيس المزيفه...
اللى ممكن تتدمر جوازكم بسرعه لو تم..
ويجوز هيه بعد المحنه اللى عشتها
والتجربه المؤلمه اللى مرت بيها
تكون إختارتك لإنك أول
راجل تقابله بعد خروجه من المستشفى..
أو
الراجل الوحيد فى حياتها...
وممكن تكون مبتحبكش..
حب عابر أو مؤقت..
أو وهم..
فى نفس الوقت مش قادره أقولك
إنك ترفضه..
لإنه ممكن يكون حقيقى وصادق..
الإختيار بإديك..
وراجع ليك فى النهايه..
يوسف : ولازم الإختيار يكون بسرعه..
لإنها هتسافر وهتسيب مصر..
لو متجوزناش..
هيه خدت القرار خلاص...
تتنهد ولاء : وبكده ممكن تخسرها..
مش ده قصدك...
يوسف : أنا مش عارف أعمل إيه..!
أو أتصرف أزاى..؟
ولاء : أنا شايفه إنها
حاولت تحدد مصيرها بسرعه
أكون او لا أكون...
مش عايزه تعيش فى عذاب وحيره
مش عايزه تفضل جوه سجن
إسمه المصير..المجهول..
يا تختارها وتجوزها..
ياتبعد..
بجد جايز تكون شجاعه وعملت حاجه
كتير يخاف يعملها..
شعر يوسف بأن الحديث يذهب
لمنعطف آخر..
أنها تقصد الكلام عن ذاتها..
عن نفسها..
عن مشاعرها الكامنه والساكنه..
داخلها ويعلمها منذ زمن..
يقاطعه صوتها الذى بدأ يعلو
: هيه مش هتكون أشجع منى..
أو أقوى منى...
يتراجع يوسف وقد بدأ قلبه يخفق بقوه
وقلبه يضرب صدره بعنف قائلاً :
يعنى إيه..؟
مش فاهم كلامك..!
ولاء : يعنى أنا كمان بقدم عرض زيها..
عرض جايز يكون أتأخر...
وجايز تكون عارفه..
وحاسه...
أنا كمان بقدم نفسي
كأختيار تانى قدامك...
يوسف فى صدمه لا حدود لها
وبحديث لم يكن يتوقعه
يسكنه الصمت وهى تكمل
: يوسف تقبل تتجوزنى....؟
تقبل أكون شؤيكة حياتك..؟
وسقط قلبه بين قدميه...
من هول المفاجأة...
وصعوبة الإختيار...
تعليقات
إرسال تعليق