رواية الروح الثالثة
الجزء 23
تأليف محمد أبو النجا
داخل شقة الدكتور يوسف الذى جلس على مقعد
خشبى يرتكز بيده على ركبتيه ووجه يحدق فى
الأرض وعلامات الحسره على وجهه وأمامه
كانت ناديه واقفه تضع كف يدها على جبهتها
فى توتر شديد : مش ممكن تكون بشر يا يوسف..!
أنا مش مصدقه اللى شوفته بعنيه ملهاش قلب..!
أنا مش متخيله إنته أزاى فى يوم حبتها..!
ومش متخيله إنك عمال تدور وتلف
عليها عشان تتجوزها..!
دى دبحت الدكتور مجدى زى الفرخه قدامى..
دبحته بدون أى مشاعر ببرود
مش متخيلاه ولا قادره أوصفه..
تحس إنها متعوده على كده..
واللى عملته أمر طبيعى..وبتعمله كل يوم
دى قتالت قتله بدون شك..
منظر مجدى وهو مرمى على الأرض
غرقان فى دمه مش قادر يروح من بالى
حتى الرجاله
اللى خطفتنا هربت فى لحظه من قدامها
هربت من المشهد اللى شافته..
كأنهم شافوا شيطانه هتقتلهم كلهم
بعدها بصت لى بسخريه وسابتنى ومشيت
من غير ما اسمع منها كلمه واحده مش قادره
أفسر أى حاجه من
اللى عملته
أنا تخيلت إنى لما أقدر أجيب لها عفو من إدينى
مجدى ورجالته وتخرج معايا هتشيلها جميله
وتصارحنى بحقيقتها
لكن اللى أكتشفته إنها مخلوقه مش طبيعيه..
يطلق يوسف زفيره : ليه تعمل كده..!
ليه تقتل مجدى بالشكل البشع ده..؟!
أكيد فى سبب..!
ناديه : قصدك إن فيه مثلاً عداوه بينها وبين مجدى..؟
يوسف : ممكن..
تنفى ناديه برأسها : لا..مفتكرش..أستبعد فكرتك..
البت دى مجنونه..مش طبعيه..
يوسف : أنا عشت معاها أجمل أيام عمرى كانت فيهم
أرق مخلوقه..اللى بتحكى لى عنها وبسمعها
دى مش هيه خالص
اللى عرفتها
ناديه : مش عارفه أقولك إيه ..؟
لكن فيه حاجه غريبه تانيه مختش بالك
منها فى الموضوع ده
عقد يوسف حاجبيه وهو يرفع رأسه لها
وهى تدور وتجلس فى المقعد المقابل له قائله
بهدوء وهى تضع
ساقها فوق الأخرى :
هيه كانت فى المستشفى بتعمل إيه...؟
اللى فهمته إن رجالة صفوت خطفونا
إحنا الأتنين من قدام المستشفى
وده معناه إنها كانت معايا هناك فى نفس الوقت..!
مط يوسف شفتيه : فعلًا حاجه غريبه ومريبه..
ناديه : أكيد مكنتش بتلعب..أكيد كانت بتعمل مصيبه..
دى مبيجيش من وراها غير الكوارث..
السؤال الأهم دلوقتى
ينظر لها يوسف فى حيره يقول : إيه هوه..؟
ناديه : إنته هتعمل إيه دلوقت..؟
يوسف : مش فاهم
تقصدى إيه..!
ناديه : يعنى لسه هتدور عليها..لسه بتحبها..؟
لسه عايز تتجوزها..؟
كانت كلماتها قويه وحاده كالسيوف التى تهوى
على رأسها ليعتدل واقفًا فى حاله من الصمت
والشرود وهى
تطلق تنهيده طويله :
أنا مش متخيله إنك ممكن ترتبط بإنسانه
كل إديها دم..
يوسف : صدقينى مهما أوصف لك حالة
الحزن والألم اللى جوايا مش هقدر أوصفها..
مش هتصدقيها...
ناديه : واضح يادكتور إن مفيش فايده أنته
هتفضل تحبها مهما حصل
إنته مش عارف تنساها
رغم إن المخلوقه دى ممكن تكون السبب
فى تدمير مستقبلك أو حتى حياتك ورغم
كده متمسك
بيها..
وأنا شايفه إن مفيش أمل حتى فى النصيجه لك
عشان كده يا دكتور يوسف أنا خدت قرار
مهم فكرت فيه
كتير النهارده قبل ما أقابلك..
تتسع عين يوسف فى تأهب واضح فى إنتظار
حديثها وهى تكمل
:
أنا هسافر زى ما قولت لك..أنا هسيب مصر..
أنا هروح دبى..هعيش هناك..هفتح صفحه جديده فى حياتى
هحاول أنسى الماضى بكل اللى فيه..
أنسى كل السنين اللى عشتها فى عذاب وألم..
أنا خلاص مبقاش ليه حد هنا..
ومبقاتش قادره أكمل..
تتبدل ملامح يوسف للحسره وهو ينفى :
لاء..أرجوكى متسبنيش..
تنفى ناديه : لازم أبعد يادكتور صدقنى
أنا مش هفرق
معاك..
أنا مجرد شبيهها لحبيبتك..
لكن مش قادر تحبنى ولا قادر تخلينى مكانها..
وأنا مش هقبل أكون بديل...
أو دوا لجروحك عشان تنسي بيها غيرى..
أنا همشى أكيد هتعب شويه
بس أنا متأكده إنى هرتاح بعد كده..
وحاسه إن ربنا هيعوضنى خير إن شاء الله
خلال الأسبوع ده همشى وجايز
تكون دى المره الأخيره اللى
أشوفك فيها أنا مبحبش الوداع خصوصًا
لما هيكون مع
شخص كان فى حياتى زيك..
وعادت تغادر منزله وهو عاجز عن الكلام
أو النطق يشعر
بحماقته الشديده
بالتأكيد ستكون خساره فادحه إن ضاعت منه تلك الفتاه
خساره ربما يندم عليه ما تبقى من عمره..
***********
حبيبى..
حبيبى..
يستعيد يوسف وعيه ببطء وهو ينساب
إلى أذنيه هذا
الصوت العذب الذى يعرفه
ويدركه ويعشقه
إنها نادية حبيبته..نعم
بالتأكيد هو حلم جميل يراوده..
لا..ليس حلم إنها حقيقه ، مستحيل إنها
بالفعل ناديه هنا فى منزله وأمام فراشه
ويراها..لقد جاءت أخيرًا له من جديد
تهللت أساريره وهو يحاول الأعتدال قبل أن ينتبه
إلى جسده المقد فوق الفراش لتتبدل
ملامحه إلى
الدهشه وهو يقول
بصوت متحشرج : ناديه..!
مش ممكن أنا مش مصدق..!
مش مصدق إنك قدامى وإنى شايفك..!
ناديه فى هدوء : وحشتنى..
يوسف فى حزن : أنتى ربطينى كده ليه..؟
أكيد أنا مش بحلم..
تنفى ناديه برأسها : لا..إنته فعلًا مش بتحلم المره
دى يا يوسف أنا فعًلا فى أوضتك
وأنا اللى ربطتك بالشكل ده
بعد ما أفقدتك وعيك بشويت رش
من برفان حريم روعه وإنته نايم
يوسف : وليه ربطينى بالشكل ده..
تبتسم ناديه : أكيد مش هكون خايف منك
يوسف : أنا مش قادر أفهمك..!
إنتى ليه بتعملى كل ده...!
أنا مش قادر أفسر تصرفاتك ولا قادر أفهمك..
ولا قادر أعرف إنتى تبقى مين..!
إنتى لغز كبير أوى فى حياتى..!
تنفى ناديه من جديد مبتسمه :
بالعكس إنته اللى غبى
ومش فاهم..
يوسف : مقدرش أنكر إنى حبيتك..
ناديه : وأنا محبتش غيرك فى حياتى..
يوسف فى تعجب : طب ليه عملتى كل ده..؟
مش فاهم..!
وليه قتلت أبرياء من غير ذنب..!
ناديه : كانوا يستحقوا الموت..
يوسف : مش إنتى اللى تحكمى عليهم بالموت..
ناديه : ولا أنته تعرفهم قدى..
يوسف : وأخرتها
ناديه : عشان كده أن جيت..
تشتعل حيرت يوسف : مش فاهمك..؟
ناديه الشبيهها : كلهم عايزنك..
كلهم بيحبوك صح..؟
ساد الصمت والسكون على وجه يوسف وهى تتابع
أنا والدكتوره ولاء كمان ناديه محمود
يوسف لما هيه ناديه محمود يبقى أنتى مين..!
ما هو مش ممكن تكونى أختها نوال..
نوال ماتت أنا شوفت صورة جثتها بنفسي..
ناديه : مش موضوعنا..
خلينى أكمل
يوسف : عايزه تقولى إيه..؟
ناديه : عايزه أقول بما أن كلهم بما فيهم أنا عايزينك
يبقى نشوف مين فينا اللى يستحقك..
يوسف : تقصدى إيه مش فاهم برضه
تقترب ناديه من حقيبته السوداء وهى تخرج منها
زجاجه صغيره ترفعها فى وجهه تقول مبتسمه :
إختبار صغير
يبتلع يوسف ريقه فى قلق : إختبار إيه..!
تقترب ناديه من فراشه : ماية نار..
هنغير بيها ملامحك الجميله
ونضيع وسامتك
اللى مسببه ليك المشاكل
فى نفس الوقت
هنشوف مين فينا اللى
هيتمسك بيك وهيفضل جمبك وهيفضل يحبك..
رغم إنى عارفه ومتأكده من النتيجه
فى النهاية وبإنى هفوز عليهم كلهم
بس عشان كمان تصدق كلامى وتقتنع
وأثبتلك حقيقة اللى حاوليك..
يوسف فى سخريه : أكيد إنتى بتهزرى
إنتى لا يمكن تأذينى..
لا يمكن تعملى فيه كده..
ناديه : لاء ممكن هو أنته لحد دلوقتى مختش بالك
إنى ممكن أعمل كل حاجه مهما كانت
أن هخليك دميم..
هشوه كل ملامحك مش هخلى بنت تبص لك
أو تفكر فيك
ومع ذلك هفضل أنا بس اللى بحبك
يوسف : أنا مش محتاج إختبارك ولا محتاج تثبتيلى
أنا عمرى فى حياتى ما حبيت غيرك..
بالرغم من كل اللى حصل
أنا لسه بحبك
ومش قادر أنساكى..
إنتى ..
تقاطعه ناديه الشبيهها فى حدة :
كفايه كلام إنته هتعيط
زى العيال الصغيريين ..؟
أنا قلبى بيتقطع صدقنى وأنا بعمل
كده فيك لكن مش بإديه
غصبن عنى
يصرخ يوسف مع إقترابها منه : لاء..أرجوكى..
بلاش تعملى كده إنتى مجنونه..
إنتى مش طبعيه..
تبتسم فى برود : لاء مش مجنونه..
صدقنى بعد وقت هتعرف إنى خدمتك
واللى عملته ده كان
فى مصلحتك..
وصرخ يوسف وهى تسكب ماء النار فوق وجهه
صرخ من شدة الألم..
صرخ حتى فقد وعيه وغاب عن كل مل حوله..
وهى تغلق زجاجتها وتبتسم وتغادر فى هدوء المكان
الذى تعلو فيه الأبخره من وجه يوسف
الذى أحترق..
تعليقات
إرسال تعليق