رواية الروح
الثالثة
الجزء ٢٩
تأليف محمد أبو
النجا
يستعيد يوسف وعيه ببطء يجمع تركيزه
وذاكرته وما حدث له
لقد رآها
لقد حاولت قتله بسياره منطلقه
هل مات ...!
يدور برأسه فى المكان والحجره البيضاء
الخاليه
عاجز عن الحركه ،
الألم يضربه فى كل جزء من خلاياه التى تصرخ فى وجع
يحاول ان يعتدل لكنه لم يستطع
حاول أن ينادى لكن لا تقوى الكلمات
عن الخروج من حلقه
فلم يجد حل سوى الإنتظار فى صمت
إلى أن يأتيه أحد
عقله الشىء الوحيد الذى لم يهدىء فى
جسده ظل ينكر فى إصرار ما رأته عيناه
لا يصدق أنها من فعلت ذلك .!
انها من حاولت قتله
لقد رآها ثانيه واحده
او جزء من الثانيه
لكنه يتذكر ملامحها
يتذكر عينيها ونظراتها الحاده
وملامحها الصلبه
وتسأل بدموع متساقطه أين حبها..!
اين عشقها له وغرامها به...!
لقد ماتت تلك الفتاة الرقيقه التى احبها يوماً
تلك الآن التى يراها شيطانه ملعونه
قاتله تعشق الدم بلا قلب
لقد احرقت وجهه وضيعت ملامحه
والآن أردت قتله
ويبقى السؤال الرهيب الذى يعجز عقله عن
إجابته لماذا...؟
لماذا فعلت كل هذا ..!
دون حتى إن يجرحها يوماً بكلمه واحده
يقاطع تفكيره صوت فتح باب الحجره وتلك الفتاة
الرقيقه تبتسم وتدلف نحو الداخل تقول
: حمد الله على السلامه عامل ايه
يوسف : ايه اللى حصل بالظبط..؟
الفتاة : حادثه بسيطه لكن الحمد لله أنك بخير
يوسف : انا تعبان اوى وجسمى كله بيوجعنى..!
الفتاة : أمر طبيعى جسمك كله جروح وكسور
وكدمات و.....
وعادت تصمت فجأة ليهتز مع صمتها قلبه فى قلق
وهى تدير جسدها : الدكتور سامى جاى حالا يطمن
عليك
اول ما عرف انك فوقت من الغيبوبه
يوسف فى صدمه : غيبوبه
الفتاة : انته بقالك تلات ايام فى غيبوبه
يخفق قلب يوسف فى ذهول وقبل أن يتحدث
كان الباب يفتح من جديد ويظهر شاب قصير القامه
بدين بعض الشئ يبتسم : ايه يابطل
حمدالله على سلامتك يا جابر
عقد يوسف حاجبيه فى دهشه :
وحضرتك عرفت أسمى منين..؟
يشير بيده نحو باب الحجره :
الحاج سليمان دلوقت أكيد على وصول
هو
اللى قالنا على إسمك
بصراحه فضل جمبك ومسبكش خالص
يوسف : فيه الخير والله
الممرضه : هو يقرب لك يا استاذ جابر ..؟
يوسف فى ارتباك لا يجد رد : ايوه من بعيد
ليه فيه حاجه ...؟
الفتاة : اصله راجل غريب اوى
رغم سنه الكبير
عمال يعاكس الممرضات
طول ما هو ماشى فى المستشفى ويقرأ لهم الكف
ييتسم يوسف رغما عنه
لينظر نحو الدكتور سامى : هو انا ممكن اخرج
امته
يادكتور ..؟
مط الدكتور سامى شفتيه : قريب...قريب إن شاء
الله
ومع كلماته كان الباب يفتح ويظهر
سليمان مبتسما
والفتاه كأنما تخشاه تفر هاربه وهو
يتابعها بعينيه :
على فين ياجميل هو أنا ازعجتك بوجودى
يقاطعه صوت الدكتور سامى : اتفضل ياحاج
ادخل
يبتسم سليمان : اخيرا صحيت ياعم جابر
يعنى ابعتك تجيب لحمه عشان نتغدى
تعمل حادثه وتتعب قلبى معاك
أنا صرفت دم قلبى عليك هنا فى المستشفى
انته هتشتغل بيهم تلات شهور على الأقل
كمان الحتة دى اللى جبتها غاليه اوى
يوسف متعجبًا : حتة ايه ..!
ينظر له الدكتور سامى فى قلق
: انته مستعجل ليه ..؟
ياحاج انا كنت بدردش معاك وقولت لك لسه
مش دلوقت
رحت برضه تجيبها..؟
يوسف فى حيره : انا مش فاهم حاجه .!
يخرج سليمان من حقيبته البلاستيكيه
الواسعه التى يحملها شىء لم يستطع يوسف
تفسيره من الوهله الأولى ليتراجع فى رهبه
وخوف وحسره وسليمان يقول :
الرجل الصناعيه اللى قولت عليها يادكتور سامى
من النوع الغالى والله النضيف
سامى : ايه اللى بتعمله ده ياحاج سليمان..؟
مش وقته
سليمان : الله.. هو أنته لسه مقولتلوش
مش لازم يعرف انكم قطعتوا رجليه
يصرخ يوسف مع جملته :
رجلين مين اللى انقطعت..؟
يقترب منه سليمان وهو يحمل القدم
الصناعيه يقول :
رجليك ياجابر مقطوعه لحد الركبه
انا رحت اجيب لك واحده صناعيه عشان
تقدر تتحرك وتمشى عليها
وانته
خارج
ان شاء الله بالسلامه من هنا
الدكتور سامى فى ارتباك :
مش عارف اقولك ايه ياجابر..؟
عم سليمان اتصرف غلط ووصل لك
اللى كنت عايز أقولهولك بهدوء
على مراحل فى مره واحده
بس يجوز رحمنى من العذاب
اللى عشت فيه عشان افهمك اللى حصل لك
الحادثه اتسببت فى يتر رجليك فعلا للاسف
عايزك تكون مؤمن وتعرف إن القدر رحمك من موت
محقق
يوسف فى صدمه وذهول وملامحه تكاد تبكى
: بس انا مش حاسس بأن رجليه مقطوعه
ولا حاسس بأى ألم..!
اومأ الدكتور سامى برأسه : منطقى
لأن مكان العمليه أدويه وبنج
وبعدين ياسيدى لما هتركب الرجل الصناعيه
اللى صمم عم سليمان يشتريهالك من بدرى
مش هتحس بأى فرق وهتعيش حياتك
طبيعى زى الاول واحسن
وحمد الله على سلامتك
انته ربنا كتب لك عمر جديد
وعاد ينصرف من الحجره وقد رأى تلك الدموع
تتراقص فى عين يوسف الذى لا يصدق
هذا الخبر المؤسف الذى شق صدره
لقد شعر بالغثيان من جديد
الآن بعد أن فقد وسامته يفقد أيضاً القدر
على السير على قدميه كالمعتاد
فقد وظيفته ومكانته
فقد الحياه السعيده التى عاش يتمناها
ويحلم بها
ربما كان الموت من البدايه هو السبيل للراحه
التى فقدها
ايقظه من شروده الشديد صوت سليمان
: انته زعلت منى ياجابر
يبتسم يوسف ابتسامه شاحبه
يقول ساخراً :
معرفتش يعنى الطالع وانته بتقرأ لى
الكف وتقولى إن رجليه هتتقطع..!
يبتسم سليمان : ياعم أنا كذاب
دى شغلتى من اكتر من خمسين سنه
ببيع الكدب للناس
وهما عارفين أنه كدب
وبيصدقوه
*******
بعد ثلاث أيام
(انا هخرج امته يادكتور.؟)
نطق يوسف جملته أمام الدكتور سامى الذى
ابتسم وهو بتفحص ملف اوراق بين يديه
وقال : قريب يا جابر يومين تلاته بالكتير
بس هتحتاج راحه على الأقل بعدها اسبوعين
والتفت نحو الممرضه : حاولوا تكلموه تانى وتالت
المريضه حالتها خطر و كل دقيقه مش فى مصلحتها
الممرضه تليفونه مقفول وبعتنا عربيه لحد بيته
مش موجود
يتنهد الدكتور سامى : شوفوا اى حد بسرعه
عقد يوسف حاجبيه فى دهشه
: خير يادكتور فيه حاجه..؟
الدكتور سامى : مريضه المفروض تعمل عملية
الزايده دلوقتى والدكتور جمال مجاش لحد دلوقتى
يوسف : هيه فى العمليات ..؟
سامى ايوه وربنا يستر وتقوم بالسلامه ادعيلها
وعاد
يغادر الحجره
ويوسف يشعر بذلك الرجل الخامل داخله ينتفض
الذى كلما اخمده وقتله يعود للبعث من جديد
الدكتور يوسف حمدى
يلتفت يوسف ناحية الممرضه الواقف وقال :
هيه حالتها صعبه ..؟
اومأت برأسها : اوى بتموت ومفيش
حتى وقت ننقلها مستشفى تانيه
الدكتور سامى بيشتغل بأديه وسنانه
يوسف ممكن تناديلى تانى الدكتور سامى
من فضلك بسرعه
الممرضه فى تعجب : مفتكرش أنه هيقدر يرجع
دلوقتى هو مشغول جدا
يوسف : ارجوكى ده موضوع حياة أو موت
تتنهد الممرضه وتقول حاضر ثوانى وهرجع لك
ينتظر يوسف وعقله يسبح فى براكين الحيره
حتى جاء الدكتور سامى فى تعجب
: خير يا جابر يعتلى ليه
وأخذ
يوسف يروى له ما يريد
وتتسع
عين سامى مما يسمعه فقد
كان ما
يقوله يوسف مذهل
لا
يمكنه تصديقه
تعليقات
إرسال تعليق