رواية الروح الثالثة
الجزء 6
تأليف محمد أبو النجا
أغلق يوسف عينيه فى تلك اللحظه
وتجمدت خلاياه وهو ينتظر قدوم نوال
من بابا حجرة الدكتور فوزى..
كانت الدكتوره ولاء تتابع الموقف عن كثب
وتراقب توتر وقلق وخوف يوسف
وحين سمع وقع أقدامها داخل الحجره
لم يتحمل وفتح عينيه وهوى قلبه بين قدميه...
صرخت كل مشاعره..
وبكت...
كأنها تشير نحوها فى حسره لا..
ليست هي حبيبته...
نعم ليست هي...
الملامح واحده..
متطابقه..
يرتجف جسده إشتياقً ..
وتتمنى يديه إحتضانها..
وبجانبه تعتصر الغيره أنفاس
الدكتوره ولاء وهى تتابع
ملامح حبيبها المرسوم على ثناياها التمنى
وفى أعينه الغرام...
دقيقه من الصمت تخيم على الجميع ...
حتى أشار الدكتور فوزى للسيدة
التى جاءت ب(نوال) أن ترحل بها
وما يزال يوسف يتابعها ويتمنى
أن تبقى معه رغم إنها ليست حبيبته
لكنها نسخه مطابقه...
صوره مستنسخه منها...
تعتدل ولاء واقفه : طب نسأذن
إحنا يادكتور...
فوزى فى دهشه : إحنا لسه مكملناش
كلامنا..!
ولاء : أكيد هنيجى لحضرتك تانى
وبعد دقائق كانت تعود لسيارتها ومعها
يوسف الذى لم ينبس بكلمه
لتقاطع هذا السكون وهى تشق طريقها
قائله : يوسف..
إنته مبتتكلمش ليه...؟
مقولتش رأيك لحد دلوقتى...!
يدور يوسف برأسه ناحيتها قائلاً
بصوت هزيل : مش هيه...
مش هيه يا ولاء..
ولم تدر ولاء إلى أى مشاعر عليها
أن تتخذ..
هل يسعدها هذا الأمر ..!
أم يحزنها..!
عادت بهدوء تسأله : إنته متأكد..؟
يوسف : أيوه...
نفس الملامح والشكل...
نفس الجسم والهيئه..
لكن مش هيه..
مطَ ولاء شفتيها : وعرفت أزاى..؟
إيه الفرق اللى خلاك تقول مش هيه..!
يتنهد يوسف : الإحساس..
ولاء فى تعجب : الإحساس..!
يعنى إيه...!
مش فاهمه..!
يوسف : قلبى محسهاش...
ولا أنا...
الغيره تنهش قلب ولاء وهى تتماسك
قائله : يجوز تكون غلطان...؟
يوسف : مستحيل...
الروح مش واحده...
ناديه ليها روح مختلفه...
وجودها وحضورها مختلف..
قلبى اللى حب نادية لا يمكن
يغلط فيها ابدًا
حتى لو كلن منها ألف توءم ..
أو مليون شبيه..
قلبى هيعرفها...
ولم تتمالك مع كلماته ولاء
ولم تستطع منع تلك الدمعه التى
إنزرفت منها
تلهب خديها من الألم...
دمعه تحمل كل أنواع الحزن ...
*************
الواحده ظهراً
داخل مكتب الدكتور يوسف
ولاء تجلس على المقعد المقابل
تقول : مش معقول اللى بيحصل..!
إنته كده مش هتشوف شغلك..
الموضوع ده شاغل كل فكرك وحياتك..
وهيضر بمستقبلك...
يوسف : للأسف عندك حق
أنا مش قادر أركز..
ومش عارف...
صورتها مبتفارقش خيالى
نفسي أعرف هيه مين..؟
وليه ظهرت فى حياتى واختفت...؟
وازاى اقدر انساها وأنا مش عارف
سرها...
ولا ليه افترقنا..!
بس الحاجه الواحيده اللى متأكد منها
إنها موجوده وعايشه
عقدت ولاء حاجبها الأيمن فى تعجب
: مش فاهمه..!
تقصد إيه..!
يوسف : يعنى بما إنها جت من سنه
وزارت أختها فى المستشفى يبقى
أكيد مش شبح...
ولاء : أنا مفكرتش أبدًا إنها ممكن
تكون شبح..
ولا بعتقد بوجودهم..
لكن جايز تكون نظريتك صح...
لكن محتاجه إثبات..
يوسف فى دهشه : وإيه هوه
الإثبات...؟
ولاء : يعنى زى ما فتحنا ملف
نوال يبقى فاضل ناديه..
يوسف فى حيره يتنهد :
وضحيلى قصدك إيه...؟
ولاء : يعنى نفتح ملف الحادثه
ونعرف تقاصيلها..
لو أفترضنا إنك قابلت ناديه
يبقى مين اللى ماتت فى الحادثة
وادفنت...؟
أكيد ممكن تكون مش ناديه
يوسف : وناديه أختفت ليه
مدام مماتش وفى غيرها مات..
المفروض مكنتش أختفت..
ولاء : هو ده السر...
كمان متنساش تقرير الطب الشرعى
هيكون مهم جدًا...
خصوصًا لو كان فيه صور من الحادثة
نفسها..
يوسف يردد : الحادثة نفسها...!
ولاء : أيوه صور للجثة..
تتسع عين يوسف فى صدمه :
إنتى بتفكرى أزاى..!
إنتى لا يمكن تكون دكتوره..
تضحك ولاء : كل تفكيرى عادى
جدًا ...
بس جايز أنا بفكر بهدوء
أكتر منك..
لأنك متوتر وعصبى وعايش
صدمة كبيره مش قادر تقدم حلول..
يوسف : لكن مقولتليش أزاى
هتقدرى توصلى للتقرير الطب الشرعى
خصوصاً إن كمان عدى عليه وقت..!
تبتسم ولاء : إنته نسيت بقى أنا مين..!
أو بنت مين..!
كل ده سهل وهقدر أوصله متشلش هم..
فى أقرب فرصه هجيب لك كل التفاصيل
الممكنه..
هز يوسف رأسه وهو يتنهد :
ولاء إنتى ليه بتساعدينى...؟
يسود بينهم حاله من الصمت والسكون
وهو يكمل : آسف من سؤالى بس
أنا بجد فى حيره...!
ولاء : ممكن أن أسألك سؤال..؟
يوسف : أكيد..إتفضلى ...
ولاء : إنته ليه بتدور على ناديه..!
وهتجنن عشان توصلها..؟
يوسف : عشان أسباب كتير جداً
تتنهد ولاء : أنا كمان لنفس الأسباب..
تراجع يوسف وقد شعر بردها هذا
كالسكين الذى شق صدره وضلوعه
وإنغرس فى منتصف قلبه..
***************
بعد يوم
السادسه مساءًا
جرس باب شقة الدكتور يوسف
الذى قام بفتح وابتسم قائلاً : دكتور مجدى
إيه الزياره الجميله دى..
يبتسم مجدى وهو يمد يده بالمصافحه
كان مجدى طويل القامه عريض الجسد
فى منتصف العقد الرابع من عمره....
يمد يوسف يده يشير له بالجلوس
مجدى فى صوتً مرح :
إيه ياسيدى بقى حكايتك..؟
يجلس يوسف بالقرب منه
يردد فى تعجب : حكاية إيه..؟
مجدى : بتغيب كتير من الشغل
وكل ما أسأل عليك اعرف
إنك أستأذنت ومشيت..!
الناس كلها بتتكلم عن التغير الكبير
اللى حصلك..!
فى إيه يابنى مالك...؟
طمنى عليك...
يوسف : أنا بخير مفيش أى حاجه..
مجدى : هتخبى عليه..
يوسف : صدقنى مفيش أى حاجه..
مجدى بنظرات خبيثه :
يعنى مش هنفرح بيك قريب...
يوسف متعجبًا : يعنى
إيه تفرح بيه...
يخرج مجدى واحده من سجائره
وهو يدسها بين شفتيه :
يعنى مش هتتجوز..؟
ينفى يوسف بيده : لا أنا مفكرش
خالص فى الموضوع ده...
مجدى ساخرًا : حتى لو كانت
دكتوره صغيره وحلوه أوى
أبوها صاحب المستشفى ومديرها
يوسف بصوتً حاد : مجدى
بلاش لف ودوران تقصد إيه بكلامك..؟
يضع مجدى ساقه فوق الأخرى
ويطلق من بين شفتيه دخان سجائره
يقول : أقصد دكتوره ولاء..
يوسف فى حزم : أنا مفيش حاجه
بينى وبين الدكتوره ولاء..
مجدى : بس فى ناس شافوكم
فى كازينو مع بعض
يوسف فى غضب : أولاً
اولاً العلاقه اللى بينى وبين
الدكتوره ولاء علاقة محترمه
علاقة صداقه وزماله فقط
ثانياً أنا مبحبش حد يدخل فى خصوصيات
حياتى الشخصيه أو يتكلم فيها
مجدى : إنته مالك أضايقت كده ليه..؟
أنا بدردش معاك مش اكتر...
أستهدى بالله كده..
يوسف : فى غضب مش عايز حد يجيب
سيرة الدكتوره ولاء بأى سوء...
مجدى : يابنى هى دى حاجه تزعل
أى حد يتمنى الدكتوره ولاء
سواء صديقه أو حبيبه...
يوسف فى غضب : مجدى
أنا حاسس إنك عايز تقول حاجه ومتردد
مجدى : ياسيدى مفيش أى حاجه
انا بس حبيت أنبهك إن كل المستشفى
بتحكى عن علاقتك بالدكتوره ولاء
وبتربط حالتك الغريبه والتغير اللى حصل
لك بقصة الحب دى وانته عارف كلام الناس
أنا حبيت انبهك والفت نظرك...
إنته عارف أنا بعزك قد إيه...
يحاول يوسف تهدئة
نفسه هو يأخذ شهيقه كبير :
مفيش حاجه يامجدى
كل اللى عايزك تعرفه إن مفيش
أى حاجه بينى وبين الدكتوره
ولا خالص وآسف لو
كنت عصبى معاك أنا أص...
يقاطع كلمات صوت جرس باب
شقته ليعتدل يوسف ويقترب منه
ويفتحه باب شفته ليجد
أمامه ولاء التى تنظر له وتقول فجأة
: مش هتصدق...
يدور يوسف برأسه وكأنه يلفت
إنتباهها لوجود الدكتور مجدى
الذى اعتدل الأخير يبتسم فى سخريه
دكتوره ولاء ازى حضرتك
ولاء متعجبه : دكتور مجدى..!
مجدى : تعالى إتفضلى أنا كنت ماشى
اسيبكم على راحتكم..بعد إذنكم..
يبتعد مجدى مغادرًا
تنظر ولاء فى تعجب ليوسف :
يقصدى إيه بكلامه..؟
أنا حاسه إنه بيرمى لحاجه...
يتنهد يوسف : هو مستغرب اكيد
من وجودك على باب شقتى
ودى مش عادتك...
ولاء : أصلى متحملتش وجيت لك جرى
عشان اقولك على المفاجأة الجديده...
يوسف فى تعجب : خير فى إيه..؟
تخرج ولاء من حقيبتها صوره وهى ترفعه
فى وجه يوسف الذى قال : إيه الصوره دى
مش فاهم..؟
ولاء : بص كويس دى صورة جثة
جثة نادية بعد الحادثة
يلتقط يوسف الصورة وهو يتراجع فى
ذهول لا حدود له ..
ويصرخ بكل حسره
لا يصدق عينيه
فقد كانت ولاء على حق
كانت صادقه..
لقد كانت بالفعل الصورة تحمل
جثة حبيبته..
نادية محمود..
تعليقات
إرسال تعليق