رواية الروح الثالثة
الجزء 50
تأليف محمد أبو النجا
لم تصدق منى نفسها وهى تدخل شقتها
مع صديقتها سعاده التى ظلت فى ذهول
وهى تنظر لها منذ أن نزع الغطاء
عن ملامحها
الجديده ..
لتقترب منى من المرآه وتلامس بأصابعها
وجهها
وسعاد تبتسم : محدش مصدق النجاح اللى
حصل..
ومش ممكن حد يتخيل أو يصدق
إنك منى...!
تتنهد منى بصوت خافت :
متفتكريش إنى سعيده ..
لاء يا سعاد أنا يجوز كنت مقتنعه
يإنى لازم
أعمل العمليه لكن كنت رافضه إن
تتبدل ملامحى
اللى عشت بيها...
إحساس
مش هيحسه إلا اللى
عايش فيه..
ملامح
عشتى عمره كله بيها
فجأة
مش موجوده..
واتبدلت
بملامح إنسانه مجهوله
شىء
مرعب..
تقترب سعاد وهى تهمس بصوتً
حنون : منى لازم ترضى بالأمر الواقع
وتسلمى
انسى كل الماضى..
أنسى ملامحك اللى
أتحرقت...
وعيشى بدايه جديده ليكى..
بداية تنسى فيها كل الوجوه اللى عرفتيهم
وعرفوكى...
دى
فرصه صدقينى حلوه..
واللى
حصل لو فكرتى فيه مش وحش
زى ما
متخيله..
إنك تبعدى
عن الجحيم اللى كنت فيه
وتعيشى
تانى بملامح مختلفه
دى نعمه..
أنا
نفسي بتمناها..
أتمنى
محدش من اللى عرفتهم يعرفنى..
أنتى النهارده
مش ممكن حد يصدق إنك منى حتى أهلك
نفسهم...
تبتسم منى بملامح حزينه :
هما فين أهلى...؟
مخلاص
مفضلش غير بقايا إنسان منهم...
أخويا منصور سنين فى غيبوبه..
سنين بصرف عليه من دم قلبى
على أمل يقوم...
لكن بدأت أفقد الأمل ده...
وبستنى
فى أى لحظه أسمع خبر وفاته..
سعاد : إنتى النهارده أتولدتى من
جديد..
خلاص لا عاد فيه عاشور الساعى..
ولا قاسم سكر...
أصبحت حره..
وعادت تشير إلى نفسها .
: أنا وأنتى قصدى...أحرار...
ياه إحساس جميل اول مره أحسه
من يوم ما أشتغلت فى الكباريه..
تتنهد منى وهى تلامس بأصابعها
وجهها :
ياترى مين صاحبت الملامح دى..؟
ياترى تبقى مين وحكايتها إيه...؟
سعاد : وده يهمك فى إيه...؟
منى : لازم أعرف هيه تبقى مين...؟
سعاد :..هتفرق..!
البنت كانت زى القمر..
أنا من رأى
عيشى حياتك وخلاص....
تضحك منى ساخره :
ياه أعيش حياتى...!
كلمه عمرى ما عرفتها..
أنا مش مكتوب عليه السعاده...
سعاد : أزاى بقى..
عندك ولادك شادى وشريف
كفايه عليهم الملجأ لحد كده...
دول
حتى ميعرفوش شكلك..
خليهم يطلعوا ويعيشوا فى حضنك...
منى بصوت حاد وقوى :
مش قبل ما أصفى حسابى مع أبوهم
سعاده فى تعجب :
ياه إنتى لسه هتدور عليه ..!
منى :
زمان مكنتش عارفه أعمل كده كويس
مكنتش
أقدر أدور عليه
وأنا
فى أدين عاشور الساعى
وقاسم
سكر..
دلوقتى
أنا بقيت حره..
النهارده معايا فلوس ومجهوهرات ..
شقى العمر كله...
وبملامح جديده محدش هيعرف حقيقتى..
أقدر أدور عليه..براحتى..
هقلب الدنيا كلها..
شرق وغرب..
لحد ما
أتلاقيه..
عقدت سعاد حاجبيها فى دهشه
عارمه تقول : ولنفرض
عرفتى طريقه هتعملى إيه..!
تقبض منى بأصابعها على حافة المرآة
وتضحك
بهدوء ساخره :
أعمل إيه..!
قولى هعمل إيه والآه إيه فيه..
سعاد فى حيره : هتقتليه..؟
تبتسم منى :
لا..القتل ده راحه ليه...
وأنا مش هريحه...
أنا هعذبه..
ويمكن العذاب كلمه قليله على
اللى هعمله فيه..
أنا
هخليه يدوق كل أصناف وأنواع العذاب..
هدور
على إنى أشفى غليلى بكل
الطرق
الممكنه.
ولو
إنى مش هرتاح مهما هعمل فيه..
سعاد :
ياه إنتى جواكى غل وكره مكنتش
متخيلاه..!
كأن
اللى عمله فيكى كان إمبارح
مش من
سنين..
لحد النهارده منستيش...؟
تتسع عين منى فى غضب :
أنسى أزاى..؟
أنسى شرفى اللى أخده
وضحك عليه ..؟
أنسى يوم ما رخصنى
ورخص جسمى..؟
يوم ما قتل محروس ...؟
أخويا اللى فى غيبوبه..!
أمى وأبويا اللى أتحرقوا
فى بيتهم...!
سنين من عمرى الكلاب بتنهش فيه..!
إديه اللى بفضله عرفت تقتل
وأسهل حاجه عندها الدم..!
ولادى اللى أتحرمت منهم....!
حياتى كلها اللى إتبدلت من
طفله طيبه وبريئه....
لشيطانه ممكن تعمل أى حاجه
هو اللى قتل منى زمان.
ودلوقتى روحها ساكنه فى وش
واحده
معرفهاش...
بس لازم قبل ما أبتدى الطريق
اعرف كل حاجه بكل تفاصيلها عن
حياة
ناديه..
ناديه محمود...
تبقى
مين..!
وحكايتها
كلها..
وماتت
أزاى..!
سعاد :
إنتى كده هتبقى بروحين
ناديه
ومنى ..!
تنفى
منى برأسها : لاء..
لسه
فيه روح أخيره..
روح
جديده..
أتخلقت
النهارده..
الروح
الثالثة..
************
بعد ثلاثة أشهر
(الفلوس بتعمل كل حاجه يا سعاد..)
نطقت منى جملتها أمام سعاد التى
أتسعت عيناها فى تعجب :
خير طمنينى
منى تقترب من شرفة شقتها تتنفس هواء
ذلك الليل وتطلق زفير طويل
تبتسم فى زهو :
أنا مش مصدقه...
سعاد فى شغف :
يابنتى إتكلمى...
منى : عرفت طريقه...
عرفت طريق يوسف ...
يوسف حمدى...
سعاد فى دهشه : بجد
منى : مش كده وبس
أنا كمان
عرفت قصة ناديه بكل تفاصيلها...
سعاد فى صدمه :
وعرفتى كل ده أزاى..؟
منى :
مش بقولك الفلوس بتعمل كل حاجه...
تخيل القدر بيبسط ليه الطريق للإنتقام..
يوسف لا يمكن يعرفنى
حتى من صوتى..
صوتى كمان هغيره..
سعاد فى قمة الذهول :
تغيريه..!
تغيرى
صوتك..!
منى :
أيوه واتفقت على عمليه بكده..
تغير بسيط...
سعاد : وليه كل ده؟
منى : عشان أضمن إنه لا يعرفنى
ولا يفتكرنى..
وعشان أنفذ خطتى
سعاد فى تعجب رهيب :
إنتى عندك خطه
هزت منى رأسها :
أيوه خطه جهنميه
هديه من إبليس عشانى...
خطه هدمره فيها..
وبعدين هقتله...
لازم يدوق كل حاجه عشتها...
حتى ملامحه همسحها...
ومن حظى ناديه اللى خدت
ملامحها قمر...
متقلش عنى جمال...
وهستغل الجمال ده فى خطتى...
تنفى سعاد برأسها :
مش ممكن يامنى...
إنتى إتغيرتى خالص..!
أنا مش شايفه منى صاحبتى...
تضحك منى : عارفه ...
شايفه شيطانه صح..!
سعاد : أنا خايفه عليكى أوى
تبتسم منى وهى تنفى :
متخفيش...
أنا أقوى مما عقلك يتخيل...
وقريب أوى حقى وحق كل اللى ظلمهم
يوسف حمدى هيجى..
هجيبهم لهم طارهم...
طارهم كلهم...
*********
الوقت الحاضر
تقترب منى من يوسف المقيد فى مقعده
وتلامس شعر رأسه بأظافرها
وهى تنظر إلى عيناه الدامعه وتصرخ
بتبكى...
بتبكى يا يوسف...
عرفت السر...
عرفت أنا مين...
أنا منى..
منى..
مش ناديه محمود
ولا نوال محمود ..
أنا الروح..
الروح التالته...
منى اللى قتلتها...
منى اللى دمرت حياتها كلها...
عرفت أنا عملت فيك كل ده ليه...؟
عرفت العذاب اللى شوفته الشهور
الطويله ده ليه...؟
دموعك مش هتشفى غليلى
يا يوسف...
دموعك مش هتريحنى..
ولا حتى موتك...
لو قتلتك ألف مره مش هيشفى غليلى
كان نفسي تكون بتشوف دلوقتى
عشان أشفى غليلى بحسرة عنيك...
أنا اللى عميتك...
ضيعت نور عنيك...
وتستاهل اكتر من كده عذاب...
ساكت ليه...!
مش لاقى كلام تقوله...!
مش قادر ولا عارف تتدافع
عن نفسك صح...؟
ينفى يوسف برأسه : بالعكس ..
أنا فعلا مش عارف أتكلم...
منى فى سخريه :
أكيد من الحقيقه اللى سمعتها..؟
ينفى برأسه من جديد :
إنتى أغبى مخلوقه فى الدنيا كلها يامنى
أغبى إنسانه عرفتها البشريه...
منى فى ذهول : ليه..؟
يوسف عشان عذابك لسه
هيبتدى منتهاش..
عذابك هيكون أكبر...
منى فى تعجب تقول ساخره :
مش لاقى كلام
تقوله ...صح..؟
المفاجأة والصدمه ...
عملوا لك لخبطه..
قنبله ...
قنبله وقعت عليك..
يبتسم يوسف رغم دموعه
: مش بقولك غبيه
انتى اللى هتقع على دماغك
اقوى قنبله
فى حياتك...
قنبله هدمرك...
لأن يوسف اللى عمل فيك كل اللى قولتيه
مش أنا...
مش أنا يا منى...
واحد تانى...
ويسقط قلب منى بين قدميها...
وهى تصرخ : مستحيل ...!
إنته كداب...
كداب...
بتلعب لعبه جديده
ينفى برأسه وبدموعه وبحسرته
: لاء
يا منى مش كداب
وعاد يخبرها بسر رهيب
سر يقلب كل الموازين رأسًا على عقب
وبأنه ليس ذلك الرجل الذى فعل فيها
كل ما حدث لها...
وأنها
أخطأت..
وأنه ليس هو الرجل المقصود بإنتقامها...
يوسف..
يوسف حمدى....

تعليقات
إرسال تعليق