رواية الروح الثالثة
الجزء 9
تأليف محمد أبو النجا
كانت كلمات ناديه كالصاعقه التى ضربت
رأس يوسف وقد تجمد جسده من الصدمه
وحاله من السكون تخيم وهو يردد فى صدره
ويصرخ : مستحيل..!
مستحيل أن أصدق أن ما تقوله صحيح..!
ناديه التى أحببتها وعشت معها ليالى طويله
مستحيل أن تكون شبح..!
عاد ينتفض وهى تقول : ساكت ليه..؟
مصدوم..؟
مش مستوعب الحقيقه..!
ينفى يوسف : إنتى كدابه..
أنا مش قادر أفهم غرضك إيه من كل اللى
بتعمليه...؟
أنا لا يمكن أصدق إنك شبح..
تغمغم ناديه : طب إنته مصدق إيه..؟
أنا ناديه اللى ماتت والاه نوال المجنونه..؟
اللى زورتها فى المستشفى مع ولاء..؟
يوسف فى تعجب : دانتى متابعه كل خطواتى..
وعارفه عنى كل حاجه..
تضحك ناديه : طبعًا مش حبيبى..
بس زعلت منك لما فتحت عليه تربتى..
جالك قلب تكسر المقبره عليه...
حد يعمل كده فى حبيبته الميته...
يوسف فى غضب : بلاش تستفزينى
بأسلوبك ده..
إنتى مش طبيعيه مش ناديه اللى أعرفها..
تعود ناديه لصوتها الهادىء :
لاء أنا ناديه اللى قبلتها وحبيتها وحبيتك....
يوسف ساخرًا : حبيتينى..!
ناديه : طبعاً بحبك..
إنته عندك شك فى كده..؟
يوسف : إنتى مش طبعيه..
تقربى منى وفجأة لما جيت أطلب إيدك تختفى..
واكتشف اسرار عن حياتك خبتيها عليه..
وعماله تتكلمى بشكل غامض ومريب..
أسطوانة إنك شبح دى تنسيها أنا مش هصدقها..
إنتى ناديه..
تضحك ناديه : هيه مش ولاء وريتك صور
جثتى بعد الحادثه من سنتين...
يوسف : مش إنتى دى أكيد صور واحده
غيرك تشبهك...
تطلق ناديه زفيرها : أنا تعبت وإنته
مش عايز تقتنع ولا تصدق كلامى
يوسف : أنا عايز أقابلك...
عايز أشوفك..
ناديه : اللقا بنا أصبح مستحيل..
لكن تأكد إنى هفضل جمبك مش هبعد عنك..
هتفضل روحى حاوليك..
مش هتكون لغيرى...
ومش هسمح تكون لغيرى..
هتفضل ليه وحدى...
يوسف فى حيره : مش فاهم كلامك...!
ناديه : يعنى ولاء تبعد عنك..
مش هسمح لأى واحده تقرب منك
أو تدخل حياتك...
يوسف : أنا عمر ما كان بينى وبين ولاء
أى علاقه غير الصداقه..
تضحك ناديه : لكن بتحبك...
وإنته عارف إن ولاء بتحبك..
والناس كلها عارفه كده كويس
بلاش لف ولا دوران..
وحبها ده ممكن يكتب لها نهايتها..
يوسف : مش بقولك كلامك غريب ومريب..!
يعنى إيه حبها هيكتب نهايتها...!
ناديه : يعنى هقتلها..
هقتل ولاء..
يوسف فى صدمه : تقتلى ولاء..!
إيه الكلام والأسلوب الغريب اللى
بسمعه منك...!
إنتى لا يمكن تكونى ناديه اللى
حبيتها وعرفتها..!
أغلقت ناديه الخط والحديث مع كلماته
وقد أشعلت فى قلبه براكين الخوف والقلق
والحيره والغموض..
لقد شعر بالتغير الكبير الذى حدث لها..
لم تعد كسابق عهدها..
أصبحت أكثر حدة وقسوة...
أصبحت أكثر شرًا...وشراسه...
نعم هذا ما يشعر به...
لا يمكن أن يصدق إنها ليست من البشر..
إنها تكذب...
لكن لماذا..؟
لماذا تريد إثبات شىء لن يصدقه..!
والآن تقوم بالتهديد بقتل الدكتوره ولاء...!
لقد أصابها الجنون..
لقد فقدت عقلها..
مثل أختها نوال..
أو أنها نوال...!
عاد ينفى برأسه لقد تعب عقلى وأرهق
من هذا التفكير..
الذى لن يصل إلى شىء..
أو نتيجه..
فالإجابه على هذا السر عندها وحدها..
لكن أين هى..؟
أين يجدها...؟
**********
حاله من الصمت والسكون بين يوسف والدكتوره
ولاء التى بدا وجهه شاحب وهى تجلس معه داخل
مكتبها ليقطع هذا الهدوء : يعنى إنتى مقتنعه..!
مقتنعه إن ناديه دى شبح..!
ناديه : فى البدايه مكنتش مصدقه
لكن لما شوفتها بعنيه قدام التربه صدقت..
وبكلامك دلوقتى عن مكالمتها وحديثها
إقتناعى بيزيد...
يوسف : شكلها المخيف ووجدها عند مقبرتها
مش دليل إنها شبح..
ولاء : طب ليه متعمده تبثت لينا الفكره
دى..!
لو كانتى فعلاً ناديه تظهر وتبان..!
ليه تختفى...!
ليه حالة الغموض اللى عملاه..!
بترت كلماتها فجأة مع رنين هاتفها الجوال
لتتحدث : ألو...أيوه...
إيه..مش ممكن..!
غريبه...!
طيب أشكرك...
مع السلامه..
عقد يوسف حاجبيه وهى تطلق تنهيده طويله..
قائله : مش هتصدق..
تتسع عين يوسف فى تعجب : هو فيه
أكتر من الغموض اللى بعيشه...؟
ولاء : أيوه فيه مفجأة جديده مكنتش على
البال..
مفاجأة مش هتصدقها..
يوسف فى لهفه وخوف : إيه اللى حصل..؟
ولاء : نوال..
نوال خرجت من المستشفى النهارده...
ورجعت بيتها...
يعتدل يوسف من مقعده يصرخ فى ذهول :
مش ممكن...!
مش معقول اللى بتقوليه..!
نوال خرجت..؟
خرجت أزاى..؟
هيه مش مريضه وحالتها خطره..
وإن مفيش أمل فى شفاها...!
أزاى بين يوم وليله تخرج...؟
مش فاهم ولا مستوعب..!
كلام مش منطقى...
ولاء : صدقنى أنا زيك مصدومه...
ومش لاقيه تفسير..
يوسف : إنتى عرفتى منين..؟
ولاء : من ممرضه هناك فى المتستشفى..
يوسف متعجبًا : ممرضه..!
ولاء : أيوه ممرضه أعرفها أديتها مبلغ
وأتفقت معاها لو فى زياره حصلت ل نوال
تتصل بيه تبلغنى..
لكن متوقعتش تقولى خرجت..
يتنهد يوسف : أنا مبقاتش قادر أفكر..
أو ألاقى تفسير..!
ولاء : بس خروج نوال بالشكل ده
وبالصورة المفاجىء دى معناه
حاجه واحده بس
يعود يوسف للجلوس فى شغف لسماعها
قائلاً : إيه هيه..؟
ولاء : إنها مكنتش مريضه..
مفيش واحده حالته كانت مصنفه خطر
بين يوم وليله تخرج بسهوله وبسرعه
كده...
يوسف : مدام مكنتش مريضه
كانت فى المستشفى بقالها سبع سنين
ليه...؟
ولاء : لغز...لغز كبير...
وأكيد ممكن يكون له تفسير عندها..
عند نوال..
تراجع يوسف : تقصدى نقابلها..؟
ولاء : أكيد..لازم نتكلم معاها..
لازم نزورها...
يوسف : أفتكر هيكون صعب..
وأكيد مش فى وقت قريب...
ولاء : سيبنى أنا أرتب أمور الزياره دى...
يوسف : أنا حاسس إنك متحمسه
للزياره أكتر منى...
ولاء : متتخليش أنا الموضوع بقى شاغلنى
وبفكر فيه قد إيه..
جوايا حاله من الجنون لإنى أعرف تفسير
كل اللى بيحصل إيه..
***************
بعد أسبوع
نجحت ولاء فى الحصول على موعد للزيارة
ومقابلة نوال فى منزلها...
لكنها لم تعلم أن الغيره ستقتلها
إلى هذا الحد فى تلك الليله...
وهى تنطلقة بسيارتها وبجانبها يوسف
وقد بدى فى كامل أناقته ووسامته...
كأنه تعمد أن يكون كذلك
وقد استعد جيدًا لتلك الزياره...
ويبدو ان ولاء لم تنجح فى إخفاء
ملامحها التى يسكنها الغيره
وعينيها التى تحدق غاضبه
من أجل حبيبها..
الأفكار الغريب تداهم عقلها..
تتخيل لحظة اللقاء بينهم بصور مختلفه..
تنظر إلى شفتى يوسف المبتسمه
بدون أدنى سبب..
لكنها تعلم سرها..
إنه سعيد برؤية نوال..
حتى وإن لم تكن حبيبته..ناديه..
بل لإنها تحمل صورتها
وهيئتها التى يحبها..
وتسألت فى نفسها : هل من الممكن أن يحب
يوسف نوال بديلًا عن حب ناديه
لأنها صوره طبق الأصل من حبيبته..؟
هل من الممكن أن يفعل قلبه ذلك..!
ستموت حينها...
لقد بدأت تشعر بالحقد والكره نحو تلك
الفتاة بكل صورها وأسمائها..
فهى تسكن وجدان وعقل وقلب حبيبها..
تضرب مكابح سيارتها وهى تتوقف أمام
فيلا ناديه وقلبه يخفق بقوة...
تخشى أن تفقد حبيبها هنا مع تلك الفتاة..
تعاتب وتلوم نفسها لإنها هى من تساعده..
هى من رتبت له كل شىء..
هى من كشفت له الكثير من الأوراق الغامضه
من قصته..
بخطوات بطيئه يسير الإثنان سوياً نحو باب
الفيلا فى صمت...
عيناها تتعلق وتتشبث بوجه يوسف الذى
كان يبدو عليه التجاهل..
أو أنه تعمد ذلك...
تقاطع السكون قائله : واضح إنك
مبسوط للزياره دى...
يوسف فى تعجب يبتسم ساخرًا :
مبسوط ليه..؟
ولاء : عشان هتشوف نوال..
ينفى يوسف : أنا مليش علاقه بنوال..
ومعرفهاش..
وأنا لما شوفتها فى المستشفى تأكدت إنها
مش ناديه اللى أعرفها..
مجرد صوره منها..
تضرب ولاء أجراس الفيلا وهى تقول :
لكن ده مينمعش إنك بتفرح لما بتشوفها..
مط يوسف شفتيه ولم ينبس بطرف كلمه
وتنهد فى حيره من أمرها..
لكنه كان يدرك مدى حبها وغيرتها من أجله..
دون أن تصارحه يومًا بهذا الحب..
فجأة ينفتح الباب وتطل منه نوال..
بفستانها الوردى وملامحها الهادئه الجميله
لقد كانت فاتنه بكل معنى الكلمه..
ليسقط قلب يوسف بين قدميه..
وتمنى لو صرخ يحتضنها..
إنها بالفعل حبيبته..
صوره طبق الأصل منها..
قاطع ذلك صوتها وهى تمد يدها للمصافحه
: أهلاً دكتوره ولاء
شعرت ولاء بإنها قد وصلت لمرحله من الغيره
لم تعهدها من قبل وهى تتابع نظرات يوسف
التى يكسوها الحب واللهفه
إبتسمت نوال وهى تمد يدها لمصافحة يوسف
: أهلًا دكتور يوسف..
تراجع يوسف فى صدمه لإنها تعرف وتدرك
أسمائهم جيدًا
تشير لهم نوال بالدخول..
وهناك رحبت بهم أمها العجوز
التى أشارت إلى يوسف : أفتكر
إننا إتقابلنا قبل كده..!
أومأ يوسف برأسه : أيوه يا أمى
من كام أسبوع..
العجوز : فاكره كويس الزياره دى..
وفاكره كل اللى دار بنا..
تقاطع نوال حديثهم وهى تدعوهم للجلوس
قائله : تحبوا تشربوا إيه..؟
تنفى ولاء بيديها : مفيش داعى..
نوال : أنا عامله بنفسي كيكه جميله أوى
لازم تدقوا منها..
هتبقى أجمل مع الشاى..
كان يوسف فى عالم آخر لقد كان يصتنت لصوتها
لنبراتها..
ربما كانت تقترب من نفس صوت
ناديه..لكنه لم يكن نفس الصوت..
الإختلاف كان واضح بالنسبه له..
يقاطع شروده صوت نوال : دكتور يوسف..
يوسف تلقائيًا يطلق إسمها أمامهم قائلاً
:
أيوه يا ناديه..؟
يعود للوراء فى قمة الخجل...
وهم يرمقونه بنظرات التعجب والحيره
وهو يعود بهودء يقول : أيوه أستاذه نوال..
تمد له بفنجان الشاى ليلتقطه قائلاً : أشكرك
ولاء : أنا سعيده إن حضرتك وافقتى على طلب
الزياره..ومبسوطه إنى أتعرفت بيكى..
نوال : أنا مقدرش أرفض طلب للدكتور فوزى..
وأفتكر إنها مش الزياره الأولى بنا..
إحنا إتقابلنا قبل كده فى المستشفى..
يوسف فى تعجب : غريبه إنك فاكره الزياره..
من المفترض إنك فى مرحلة المرض..
نوال : مين قال إنى مريضه..؟
تتراجع ولاء ويوسف فى صدمه وذهول
وهى تكمل : أنا عمرى ما كنت مريضه...
يوسف : أومال بقالك سبع سنين
فى المستشفى ليه..؟
ولاء : ممكن يا استاذه نوال
تفهمينى تقصدى إيه..؟
نوال : افتكر كلامى واضح..
أنا مش نوال..
وهوى قلب يوسف بين قدميه..
وقد أصابه الذهول والصدمه بجانب الدكتوره
ولاء المتجمده هذه المره وقلبها يخفق ويضرب
ضلوعها فى خوف..
فقد كانت ما ترويه لهم نوال..
رهيب....
لا يمكن تصديقه...
تعليقات
إرسال تعليق