رواية الروح
الثالثة
الجزء 32
تأليف محمد أبو
النجا
(مش عارف اقولك ايه يا ثروت..!)
نطق الدكتور عصام جملته أمام ثروت صقر
خطيب الدكتورة ولاء الذى ارتسم على
ملامحه وصوته علامات الثوره والغضب
والسخط.
يجلس ينفث دخان سيجارته الضخمه قائلاً
:
أنا مش بتاع كلام من ده يا دكتور..!
ده مفيش أى احترام لخطيبها ..!
هى مش مستوعبه أنا مين..!
والآه متعرفش ..!
لسه مكملناش اسبوعين ودماغه برضه فى
الواد الدكتور اللى اتحرق واختفى يوسف
حمدى
ودلوقتى الاخبار توصلنى أنها سافرت
اسكندريه
عشان تدور عليه ..!
وعاد يضحك ساخرًا :
واحد هربان من جريمة قتل
ودى رايحه وراه ليه ...؟
ممكن تفهمني..؟
عصام فى ارتباك واضح :
ياثروت أهدى بس
انته اتقدمت عشان تخطبها
وأنت عارف أنها كانت بتحب الشخص ده
ومع ذلك
وافقت على أمل أنها تنساه وبعد اسبوعين
استسلمت ومقدرتش..!
كان
لازم تكون عارف ومستعد
لأى
مشاكل أو عواقب هتقابلك
ثروت : يعنى عجبك اللى بتعمله
انا قولت تنساه...
لكن اللى بتعمله ده مش نسيان..!
عصام : انا معاك أنها مجنونه ، لكن
صدقنى
كل اللى بتعمله ده فى الفاضى وهتلف تلف
وهترجع لك
يوسف ده خلاص انسان وانتهى
لا ملامح ولا مستقبل
واللى بتعمله ولاء حلاوه روح مش اكتر
عقد ثروت ساعديه أمام صدره يقول بهدوء
:
وكرامتى ...!
كرامتى
يادكتور ..!
إيه
نسيتها..؟!
يبتسم عصام :
ياسيدى بكره تعقل لما تتجوزه
صدقنى كل ده طيش شباب
ثروت عارف يا دكتور عصام الحل الوحيد
للمشكله
دى ايه ..؟
مط الدكتور عصام شفتيه فى دهشه قائلاً
:
ايه..؟
يعتدل ثروت وهو يطفىء سيجارته ويمسح
براحت
يديه خديه قائلاً : إنه ينتهى
ميبأش له أى وجود
عصام فى تعجب :
كلامك مش واضح تقصد إيه..؟
ثروت ساخراً :
كلامى واضح يا دكتور يوسف لازم يموت
وبأى وسيله ...
لو أضطريت أقتله بأديه...
ومع نهاية كلماته شعر الدكتور عصام
بقلبه ينقبض
فى خوف وهو يتطلع إلى ملامح ثروت التى
يسكنها
بكل تفاصيلها الشر..
والشيطان...
********
بعد اسبوع ...
تنهيده طويله من ولاء وهى تنظر من نافذة
الغرفة المقيمه بها فى إحدى فنادق الاسكندريه
وتتابع الغروب الساحر بعيداً
وكأن تلك الشمس هو ذلك الأمل الذى يغيب فى
رحلة عثورها على يوسف
لقد فعلت كل ما بوسعها لمحاولة إيجاده دون جدوى
وسط حاله ثوره عارمه من أبيها كل يوم
فى كل إتصال يوبخها فيه ويطالبها بالعوده
للقاهره
سريعاً
لكنها تأبى وترفض وتبحث عن ذلك الرجل الذى تعشقه
حتى تسرب إليها اليأس رويداً
وتملك قلبها وغدر بعزيمتها...
تخشى فى أعماقها أن تكون قتلته تلك الشيطانه،
ربما فعلتها..
من
يدرى..؟
فهى لا تملك أى قلب أو مشاعر
لكن سلوى تتابع عن طريق رشدى الذى ينفى
عثورهم عن جثته
أو ربما لم يتم الكشف عن مكانها بعد
تنفى برأسها تلك الأفكار والصور
المرعبه ...
وإن لم تجده ربما يتم الحكم عليه فى قضية
قتل سليمان بالاعدام...
الموقف يسؤ...
وعقلها لا يجد حلاً..
عليها أن تعود إلى القاهره
فى اقرب وقت
وتنتظر لعبة الأقدار القادمه بها
******
(يعنى ايه مش عايزاها..؟
هو لعب عيال ..؟)
نطق الدكتور عصام جملته فى منتهى الغضب
والثوره أمام ولاء التى تقف هادئه وثابته داخل
حديقة فيلتهم
ليعود بكل عنف يقول :
انتى اتجننتى ..؟
أنتى عارفه وواعيه اللى بتقوليه .؟
ولاء : طبعًا ....
ومقتنعه بيه جداً..
انا من البدايه رافضه فكرتك اللى
نفذتها بدون ارادتى وغصبن
عنى..
يقاطعها فى هياج : رأيك ايه وزفت إيه..!
وانتى سايبه شغلك وأهلك
وبتلفى فى اسكندريه
على واحد محكوم عليه بمستقبل منتهى..!
يقاطع ثورته صوت أمها : أهدى ياعصام
طالما هيه مش عوزها متتضغطش عليها
عصام : هيه مش عارفه مصلحتها
بنتك اتجننت
ولاء : مع إن ده مكنش رأيك زمان فى
يوسف..!
عصام : انا قولت أنه دكتور شاطر وممكن
يكون له
مستقبل ...
لكن للاسف محصلش..
ودلوقتى معاكى راجل محترم ..
دخل من الباب واتقدملك..
ووافقتى وأصبح خطيبك
تنفى ولاء برأسها : أنا موافقتش أنا
قولت هفكر
أبيها : من الغباء انك تخسرى واحد زى
ثروت
عشان شخص مبقاش له وجود ..!
ولاء : يبقى سيبنى اختار الراجل
المناسب ليه
افتكر أنى انسانه ناضجه واعرف أحدد
مصيرى كويس
عصام : افهم من كده انك مش عايزه ثروت..؟
ولاء : أيوه ..
ولو حابب اقوله كده بنفسي معنديش مانع
(تقولى ايه يا دكتوره..؟)
ينتبه الجميع ويلتفت
لذلك الرجل القادم من بوابة حديقة
الفيلا...
ثروت الذى يبتسم ساخراً بشكل مريب
وهو يقترب منهم وعلى شفتيه
إبتسامه باهته : كملى كلامك يا دكتوره
ولاء ..
والآه انا جيت فى وقت مش مناسب..؟
تتنهد ولاء وهى تقول وعينيها تنظر له :
من فضلك يا استاذ ثروت اى اتفاق بينك
وبين بابا
بخصوص جوزازى اعتبره ملغى
ينفجر ثروت ضاحكاً : الله...
هو لعب عيال والاه
إيه..؟
ولاء : افتكر انك ممكن ترتبط وتتجوز
ألف واحده غيرى
ثروت : ده آخر كلام عندك
يسود الصمت للحظات بينهم
و تدور ولاء بجسدها وتعطيه
ظهرها قائله بهدوء : ايوه
ثروت بصوت هادىء :
على كل حال أنا كل اللى يهمنى سعادتك
تتعحب ولاء من أسلوبه الذى تبدل فجأة وهو يقترب
منها خطوات ثابته قائلًا
وعلى شفتيه ابتسامه باهته
خبيثه : أنا فعلا ممكن اتجوز ألف واحده
زى ما بتقولى غيرك ...
لكن مفيش فى الدنيا كلها غير ولاء
واحده بس
تعقد ولاء ساعديها أمام صدرها فى تعجب
: صدقنى يا ثروت أحنا مختلفين تماماً
عن بعض
ولو اتجوزنا هتكون مأساه عارف ليه..؟
ينفى برأسه : ليه ..؟
تتقدم نحوه خطوه وسط حاله من الترقب
من أبيها وأمها وهى تقول :
لأنى مقدرش اسعدك للأسف
أومأ برأسه : طب على الأقل خلينا أصدقاء
ولاء : طبعا حضرتك شخصيه تشرف اى حد
أنه يعرفها
يبتسم ثروت : غلبتينى برقتك
عشان كده أنا عازم نفسي على عيد ميلادك بكره
عندك مانع بقى ..؟
تبتسم ولاء فى تعجب : اكيد البيت بيتك تنورنا
ثروت : وأنا أوعدك هجيب لك هديه تفرحك
ولاء فى قمة الذهول : هديه..!
ثروت : هديه هتكون مفاجأة ليكى اعتبريها
هدية الوداع بنا ..
وعاد ثروت يغادر الفيلا
وهى تطلق من خلفه تنهيده طويله
وتشعر بأن لهجته وأسلوبه وطريقته هذه
المره مريبه جدًا
ومخيفه للغايه
*********
فى حفل ضخم داخل فيلا ولاء وحشد كبير
من المدعويين
كانت هى تسير بينهم بفستانها الفضى
كالملكه التى
تستعد لحفله تتويجها على العرش..
كان جمالها ملفت ومبهر
جذب كل العيون والقلوب
تبتسم وهى تردد كلمات الترحاب لهم
ورد عبارات الثناء المتتالية لها
فجأة يقطع طريقها ثروت وقد كان فى قمة
الاناقه والوسامه فى تلك الليله يبتسم
قائلاً
: كل سنه وانتى طيبه يا اجمل نساء
الدنيا
تعقد حاجبيها وهى تمد يديها ليصافحها
قائلًا
: جمالك الليله مبهر الناس كلها بتبص
عليكى
وبتتكلم أنا خايف عليكى من عنيهم..
تبتسم وهى تشير له : مجامله جميله منك
ينفى ثروت برأسه أنا مبعرفش أجامل
تهز رأسها : أنته راجل اعمال ناجح جدًا
ومفيش راجل اعمال ناجح ميعرفش يجامل
ثروت : هنفضل نتناقش طول الليل فى
النقطه دى..!
ممكن بقى تتفضلى عشان اقدم لك هديتك
تنظر له فى دهشه : هيه فين
يشير لها نحو الحديقه : بره فى الحديقه
رجالتى جايبنها هناك...
اتفضلى معايا
ولاء فى صدمه تردد : رجالتك جايبنها
ثروت طبعا انتى فاكره أنها هديه عاديه
مطت ولاء شفتيها وهى تتبعه
وسط حاله من ذهول كل الحاضرين يتقدم
رجاله
وهم يحملون علبه ضخمه
على شكل مربع أحمر كبير
وعليه شريط دهبى معقود أعلاه
تنطلق الصيحات والتكهنات والتخمينات
بينهم
جميعًا
ويطلقون سؤالهم المحير
أى هدية تلك...؟
هديه ضخمه غامضه ...!
لا أحد يمكنه توقعها ..!
اقتربت ولاء فى تعجب وذهول تترقب ثروت
الذى ابتسم نحوها
يقول فى الجمع الحاضر:
طبعا فى ناس قدمت التهانى
والتبريكات للدكتوره ولاء وناس قدمت
هدايا
لكن مهما كانت هداياهم لا يمكن توصل
لهديتى
طبعاً كلكم بتفكروا تطلع ايه الهديه ..؟
والعلبه دى جواها ايه ..؟
لكن احب اطمنكم محدش هيعرفها
ولا هيوصل هى إيه
مهما كان خياله ...
وأعتقد أنها هتكون اجمل وأغلى هديه فى
حياة
الدكتوره ولاء
تتابعه ولاء فى قمة الشغف والذهول وهو
يشير
لرجاله برفع الغطاء عن هديته وكشف
الغموض حولها
وتتراجع كل الوجوه الحاضره وتخفق كل
قلوبهم
وتصرخ عقولهم فلم تكن هدية ثروت
إلا رجلًا جالس أرضًا
رجل متسخ ...
ملابسه ممزقه...
متشرد.....
كفيف...
رجل يدعى يوسف حمدى
تعليقات
إرسال تعليق