رواية الروح الثالثة
الجزء 48
تأليف محمد أبو النجا
لم تتخيل منى أو تصدق ما تراه في تلك
الليله..
وتلك
اللحظه..
تنظر إلى جثة رجب الملقاه أرضاً وقد
إنفجرت منها الدماء وصنعت منها بركه
كبيره..
تنظر
بذهول بأعين متسعه مصدومه
إلى ذلك الرجل الذى أطلق رصاصته
لتصرخ فى جنون ودهشه لا حدود لهم :
مش ممكن..!
قاسم ...
مستحيل ..!
مش ممكن ...!
يخطو قاسم بهدوء داخل الحجره
مبتسماً وخلفه مجموعه من
رجال ضخام الجثه يقول بطريقه تحمل
رائحه الشماته :
مفاجأة ..!
مش كده...!
مكنش
يخطر على بالك
ولا
تتخيلى
وجودى
دلوقت
وعاد
يضحك قائلاً :
على فكره كل اللى حصل من البدايه
بينك
وبين رجب
أنا سجلته...
كل الحوارك اللى بينكم بالكلمه ..
واتفاقكم..
حتى الجريمه صورتها...
مش عايز اقولك تحبى نذيع كل ده لتفكرى
إنى
شغال مع بتوع
الكاميرا الخافيه
وعاد ينفجر يضحك بشكل لم تعهده من قبل
شكل
شرير مخيف..
وهو يكمل :
إيه يا منى زهقتى مننا...؟
كنت عايزه تهربى...؟
خلاص نسيتى اللى عملناه عشانك...؟
دانتى قليلة الأصل بجد...؟
كمان تقتلى عاشور
وتتفقى مع كلب زى ده عليه..
أنا
حقيقى مش مصدق
ولا
مستوعب...
وعاد يبصق على جثة رجب
وهو يخطوا أكثر ويقترب
ويجلس على مقعد خشبى يقول :
إنتى غبيه أوى يامنى ..
تبتلع منى ريقها فى خوف وقد تجمدت
كالصخره الساكنه
وهو يكمل مسألتنيش إنتى غبيه ليه
منى بلهجه مرتبكه :
عشان قتلت عاشور..
يضحك قاسم:
بالعكس إحابتك نفسها غبيه
أنا بقولك سجلت كل حاجه
وسيبتكم تقتلوه
يعنى كنت ممكن أنقذه
أو أمنعك..
أو أحذره...
لكن
معملتش كده سيبتكم تقتلوه .
عارفه
ليه..!
تنظر
له منى فى صمت
وهو
يكمل :
عشان
أصبح عندى كارت وإتحرق...
يامنى إفهمى عاشور ده مجرد بلطجى...
صوره...
خيال مأته...
الارض أرضى يا منى ..
أنا الكبير...
أنا اللى بمشى اللعبه كلها....
كل حاجه هنا ملكى بما فيهم إنتى...
عاشور واحد من رجالتى...
بس ندل وبقاله مده كده بيلعب بديله..
ولقيتها فرصه وحاجه تسلينى و أنا
بشوفكم تقتلوه...
تشعر منى بقمة الصدمه والذهول
وتلك الصاعقه التى وقعت على رأسها..
وهو يبتسم : متخفيش يا منى
أنا مش هقتلك...
لو كنت
عايز كنت خلصت عليكى..
ومش زعلان منك...
إنتى موتك خساره كبيره ليه...
وأنا
مش غبى..
إنتى هتفضلى زى ما إنتى...
بتشتغلى هنا معززه مكرمه .
فى حضنى...
يوم ما تحاولى تغدرى أو تهربى..
هقتلك..ساعتها..
وهقتل ولادك...
شادى
وشريف..
حتى اخوكى منصور
اللى نايم مبيصحاش
ومش هيصحى..
هقتله...
تبتلع منى ريقها فى رعب ...
وهو يعتدل ويقترب منها ويلامس بفواهة
مسدسه جبهتها...
: مفيش حاجه هتتغير يامنى ...
عاشور سواء عايش او ميت
مش هيفرق..
كل اللى هيتغير إنى هجيب واحد هنا مكانه
يشغل اللعبه تحت عنيه...
يامنى لازم تفهمى حاجه واحده وحطيها
حلقه فى ودنك...
أنا اللى يدخل أرضى ويعيش فيها
مبيخرجش منها غير ميت...
فهمتى ...
فهمتى يامنى...
وشعرت منى بصدق كلماته ..
وبأنه الشيطان عاشور لم يمت ..
بل كان بالفعل مجرد دميه ...
كان لا شىء...
وأن من مات بالفعل هو قاسم سكر
ذلك الرجل الضعيف الذى عرفته
فما تراه الآن هو رجل جديد
يحمل نفس الملامح
لكنها مختلفه هذه المره بالنسبه لها...
فهى ملامح تصيب قلبها بالذعر....
*********
تتوالى الأيام...
لم تعد منى تفكر في حسابها أو عدها...
سنوات وهى كما هى...
بين أنياب ذلك الرجل الشيطان...
قاسم سكر
تبدلت ملامحها وشخصيتها.
لم تعد كسابق عهدها...
تفعل كل ما يأمره بها كالعبده...
لا تناقشه فيما يقول...
ولم تفكر حتى فى الهرب...
حاله من اليأس تسكنها وتتملك منها ..
ترى أولادها على فترات متباعدة ..
وما تزال تدفع ثمن مستشفى أخيها.
التى أيقنت أنها بلا جدوى
ولن يستيقظ مجدداً..
ولم تعد تملك حتى قرار التراجع
عن علاجه ..
هذا بسبب حبها له ..
الشىء الوحيد الذى لم تبدله
السنين فى قلبها...
فلم تعد تبيع شرفها فقط للرجال
بل كانت تقتلهم أيضًا أحيانا...
لو طلب قاسم ذلك
وبمهاره وإحتراف ..
غير
عادية..
وبعشرات الطرق..المختلفه
والمبتكره..
لقد كانت بمثابة الافعى التى يطلقها
كيفما يشاء ..
وأينما يشاء على أعداءه ...
من كان يصدق يوماً بأن منى تلك
الطفله البريئه الساذجه تصل يوماً
إلى هذا الحد من التوحش...
لقد بحثت كثيراً عن صاحب
الفضل فى ذلك لم تجده
يوسف حمدى
كانت تحلم يوماً بقتله ..
هذا هو الحلم الأكبر والأخير لها..
لم يعد له أى أثر ..
أو وجود...
تتنهد ذلك اليوم وهى تنظر من نافذة
الكباريه قبل أن يدخل عليها قاسم يقول
: الجميل سرحان فى إيه..؟
تلتفت منى وبين يديها واحده من كؤس
الخمر التى إعتادت عليها تقول بهدوء
وهى ترتشف منها : مفيش..
يبتسم :
طيب يالله عشان فى مفاجأة عشانك
تعقد حاجبيها فى دهشه :
مفاجأة إيه ...!
قاسم :
ضيفه كانت مفكره إنها هتهرب من
إديه وتطير بعيد
لكنى
مسكتها..
ورجعته
زى الكلبه..
عشان
تاخد جزءاها..
منى فى حيره شديده :
تقصد مين بالكلام ده ..!
فجأة يدخل رجلين من رجاله
وبين أيديهم
فتاة مقيده ..
وقد إنسال الدماء من فمها
ورأسها أثر الضرب .
وجهها عباره عن خليط من ماء
دموعها ودماؤها
ملابسها ممزقه تنظر إلى منى
وكأنها تتوسل
إليها...
تصرخ منى فى لهفه وحسره
: سعاد...!
مش ممكن..!
قاسم إنته مش عارف إنها صاحبتى..؟
هز قاسم رأسه وهو ينفى :
كانت صاحبتك...
لكن بعد ما هربت من سنه
وهيه بقت
عدوه ليكى وليه...
دا
قانون المملكه يامنى إنتى نسيتى..!
عاد
يشير إلى أحد رجاله
لينزع الشريط اللاصق من فوق
شفتيها لتهتف فى حسره وهى تنادى :
منى ...
ألحقينى..هيقتلونى...
قاسم :
يرضيكى...!
يرضيكى اللى عملته يامنى.. ؟
سعاد : حرام عليك كفاية...
سنين وأنا تحت رحمتك.
كفايه..
كفايه بقى سيبنى أعيش...
يخرج قاسم من جرابة
زجاجه صغيره
: يقول بصى قدامك إختيارين..
يا أحرق وشك...
وتعيشى عمرك فى عذاب ..
أو أقتلك...
وترتاحى.
تتطلع سعاد إلى أعين منى
وكأنها تتوسل
لها وتتوسط لإنقاذها....
يبتسم قاسم وهو ينظر إلى منى
: إيه رأيك يا منى..؟
نختار إيه..؟
تمد له منى بالكأس الذى بين يديها
وهى تقول :
قبل ما نختار أشرب الكاس ده
وخلينا نتكلم فى موضوع أهم
لوحدنا وخلى رجالتك بره
يشير لهم قاسم بالمغادرة
عادت منى بكل صلابه تتحرك وهو
يلتقط الكأس ويتحرك معها صوب النافذه
ينظر من خلالها يقول :
موضوع إيه اللى عايزه
تكلمينى فيه..؟
يرتشف من كأسها وهى تبتسم
: سيبها تمشى يا قاسم...
قاسم فى تعجب شديد :
إيه اللى بتقوليه ده..؟
إيه قلبك الجامد راح فين...
ضعفتى..
أنا لو
سيبتها هتبقى سايبه..
مش
هعرف أحافظ على النظام..
كل
واحده هتهرب زيها..
لازم
تكون عبره ليهم..
صح
يامنى..؟
منى : سعاد مش هتموت ...
يرفع زجاجه ماء النار
بيده : يبقى هحرقها
تبتسم منى
وهى تلتقط الزجاجه من
أصابعه بين يديها ..
: ولا هتحرقها. .
أرتشف من كأس الخمر ...
وقال :
أمال عايزانى أعمل فيها إيه...
تبتسم : هتموت..
يعقد حاجبيه فى تعجب :
يعنى هتقتليها..؟
تنقى برأسها
مش هيه..
مش سعاد..
أنته اللى هتموت...
يبتسم ساخراً وهو يشير
إلى صدره : أنا..
تشير إلى الكأس الذى
بين يديه : أيوه
بالسم اللى فى الكاس اللى شربته..
يعقد حاجبيه فى قمة الدهشه
وهو يتطلع إلى الكأس الذى بين
أصابعه :
يبقى إنتى كمان هتموتى
معايا...
لأنك كنت بتشربى فيه قبل منى
أنا
شوفت أول ما دخلت..
تنفجر ضاحكه
وهى ترفع أصابعها اليسرى
تشير إلى ذلك الخاتم الصغير المفتوح ...
: إنته نسيت إنى تلميذتك..
السم كان فى الخاتم وحطيته
من غير ما تاخد بالك
وبعد دقيقه هتموت
البركه فيك إنته اللى علمتنى القتل
وبقيت شيلاه معايا فى كل لحظه
وكل مكان ...
يصرخ قاسم
من الألم الذى أشتعل فى معدته
وهو يخرج
زجاجه صغيره أخرى من جرابه
يقول :
استعجلتى يامنى الازازه اللى معاكى
دى للتهديد بس ...
إنما ماية النار لسه معايا أهى .
وفتحها قاسم فى جزء من الثانيه
وهو يضحك..
ضحكته الاخيره ..
بين نظرات منى الزائغه..
يلقى بالماء فوق ملامحها....
لتسقط منى أرضاً تصرخ ألما ..
وهوى أرضًا فى عنف
جانبها جثة هامدة...
جثة تحمل ملامح متجمده
من الشماته...
وشفاه تحمل إبتسامه باهته...
تعليقات
إرسال تعليق