رواية الروح الثالثة
الجزء 49
تأليف محمد أبو النجا
تستيقظ منى ببطء..
وهى تنظر حولها وتحاول تذكر ما حدث
هناك
حاجز يمنع تذكر اللحظات الأخيره
قبل أن
تفقد وعيها..
فجأة
يمر أمام أعينها المشهد المؤلم
الرهيب
حينما صرخت بشده
والنيران
تشتعل فى ملامحها الجميله.
وتحترق..
لقد
كان إحساس مخيف لا يمكن
وصفه...
تصرخ
وهى
تعتدل من فراشها
لتشعر بتلك الايدى تقترب
وتوقف فزعها
وذلك الصوت الطيب الحنون يهمس
فى حب : منى حمدالله على السلامه...
تنظر منى إلى سعاد فى
حسره تصرخ :
سعاد إيه اللى حصل..؟
أنا مش فاكره..!
تبكى سعاد وهى تلامس كتفها :
إنتى أنقذتينى من الموت يامنى...
أنتى ضحيتى بنفسك عشانى...
تلامس منى الشاش الذى يحيط وجهها
تبكى : إيه اللى حصل...؟
وشى ماله..؟
فهمينى...؟
تبكى سعاد : إنتى عملتى اللى محدش
قدر يعمله...
خلصتينا
من الجحيم ..
قتلتى الظلم والجبروت...
قتلت الشيطان اللى كان الكل خايف منه .
اللى
ياما عذب ناس وقتلهم..
قتلت قاسم سكر...
وكأنك فكيت الأسر لينا كلنا..
حررتينا..
حتى رجالته فرحوا بكده...
رجالته نفسهم سبونا نمشي...
وساعدونى أجيبك المستشفى
لكن...
منى فى خوف وقلق و حسره :
لكن إيه...؟
سعاد :
ياريت كان بإديه أعمل أكتر من كده...
منى فى إنهيار وحزن تتوسل :
أرجوكى يا سعاد إتكلمى
تتنهد سعاد وهى تبكى بشده :
وشك وملامحك...
منى فى حسره بلا حدود تصرخ :
حصل إيه...؟
أتكلمى..
سعاد بصوت يسكنه الألم :
النار كالتهم...
إتحرقوا يامنى سامحينى...
أنا السبب
لكن مش
بإديه..
غصب
عنى يامنى..
لز كنت
أعرف إن هيحصل لك كده
كنت
أخترت الموت على إنى أضرك..
تنفى منى برأسها فى ألم
والعذاب يعتصر قلبها وضلوعها
تصرخ : لا..لا..
مش ممكن...
مستحيل...
سعاد :
يارتنى أقدر
أضحى بنفسي علشانك...
ياريت كان بإديه حاجه...
تحاول منى التحرك من فراشها
لتمنعها سعاد بيديها :
بلاش يا منى خليكى مرتاحه
الدكتور جاى حالًا
أنا هبعت له
بعد دقيقه بالفعل
كان الطبيب يصل الحجره
رجل يتجاوز الخمسين من عمره
يقول مبتسمًا بهدوء وهو ينظر
عبر نظارته الرفيعه :
حمدالله على سلامتك
منى فى حزن :
هو إيه اللى حصل بالظبط
يادكتور
ممكن توضحلى..!
وشى جر
له إيه..!
الطبيب فى هدوء شديد :
للأسف فى حرق كامل
فى الوجه ..
أنا جايز اكون صريح...
لكن مفيش بديل غير إنى اقولك..
منى فى بكاء منهمر
تتخيل ملامحها التى فتنت
كل من رآها من رجال
قدإنتهت
لم يعد لها وجود..
تنفى فى عذاب ومرار :
مش ممكن...!
الطبيب :
عايزك تهدى وتعرفى إن ده
نصيبك..ولازم ترضى .
عيشى حياتك...
وأفتكرى إن إنكتبلك عمر جديد
منى فى ألم بصوت متهالك :
أعيش أزاى بين الناس
بالشكل ده ..!!
الطبيب :
دى مش نهاية الحياة
فيه كتير حصل له اللى حصل لك
وكمل حياته عادى .
والأمر مع الوقت أصبح طبيعى..
بكره تتعودى عليه...
فجأة تتدخل الممرضه
وتتحدث معه للحظات
ثم عاد يتنهد يقول عن إذنكم
وعاد ينصرف ومن خلفه لم تتحمل
منى ما حدث لها..
ولم تتمكن من حبس دموعها..
كلما تخيلت إنها أصبحت بلا ملامح..
وكان بالفعل إحساس مؤلم..
ومخيف..
*********
صباح اليوم التالى..
عاشت منى فى صمت طويل..
كانت شارده الذهن
تفكر..
فى الماضى وما حدث لها..
والمستقبل المجهول ..
الذى لا تدرى مصيرها به..
كيف يمكنها أن تواجهه أولادها
شادى وشريف بوجه محترق
بلا ملامح..!
سعاد تتابعها وتجلس رفيقه معها..
طيلة الوقت
تشعر بما تعانيه ..
وتتألم ويعتصر الحزن قلبها
من أجل صديقتها..
لكنها كما قالت لا تملك من الأمر شىء..
يقتحم فجأة المكان الطبيب المتابع
لحالتها يبتسم قائلًا :
لسه يامنى قاعده ساكته مبتتكلميش..!
تتنهد منى هتكلم أقول إيه بس..
أنا الحزن مسيطر على كل جسمى
وعقلى..
حاسه إن الموت كان هيكون أهون من اللى
بعيشه..
لو كان فيه طريقه عندك تريحنى
وأموت بيها..
يقاطعها الطبيب : كفايه بقى
يا منى دى مش نهاية الحياة قولت لك
ده إختبار من ربنا ولازم تنجحى..
يجوز خير ليكى وإنتى متعرفيش..
منى : أنا فقدت أى أمل جوايا..
عندى إحساس باليأس يكفى الكون بحاله..
يسود بعد كلماته الصمت
فجأة تتسع عين الطبيب قائلًا :
فى عندى حل بس مش
عارف إن كان يناسبك...
منى : فى لهفه حل إيه ..؟
هو أنا حالتى ووضع ده ممكن
يكون له حل..!
الطبيب :
أنا من إمبارح عمال بفكر فيه ومتردد
بس واضح إن مفيش قدامى بديل تانى
ولو ما تمش النهارده هيبقى صعب..
منى : أرجوك أتكلم يا دكتور
الطبيب : فى جثة بنت هتتدفن
النهارده ...
واللى سمعته إن مفيش حد من أهلها هنا
دلوقت عشان يستلمها..
أحنا ممكن نبدل وشها بيكى ...
عن
طريق عمل عمليه..
سعاد فى صدمه لا حدود لها :
وده ممكن يادكتور...؟
يتنهد الطبيب : والله الطب وصل لمرحله
كبيره من التقدم
وطبعًا عمليه زى دى مش سهله
ومعقده
ونجاحه ممكن
مش مضمون ...
بس انا
شايف إنها حل كويس...
سعاد فى حيره :
وهتبقى شايله اى ملامح..
يرفع الدكتور كتفيه :
وده سؤال
طبعًا ملامح البنت التانيه
اللى
هتاخد وشها..
منى : بس يا دكتور...
يقاطعها الطبيب : مفيش وقت للتفكير ..
وبعدين إنتى مقدمكيش حل تانى...
ياتعيشى بملامح محروقه..
أو تعيشى بملامح
واحده تانيه مجهوله...
منى :
ولو فشلت العمليه..
الطبيب
: هو إحتمال الفشل مش
هنكر
كبير
لكن
بالنسبه لحالتك مش هنخسر
كتير ..
تتنهد منى وهى عاجزه عن التفكير
لتقترب منها سعاد تلامس يديها
: أنا شايفه إنه حل مناسب
وجميل يامنى
وفرصه متتعوضتش
هز الطبيب رأسه :
هيه فعلا فرصه كبيره
ومش هتتكرر تانى
أولًا حالت وشك هتسهل العمليه
قبل ما يلتئم...
ثانيا البنت موجوده ومفيش
اى حد من أهلها..
هيراجع أو هيدور ورانا...
والسن
بينكم متقارب..
منى بعد تفكير طويل
هزت
رأسها : واضح يادكتور
إن فعلًا مفيش حل تانى
قدامى..
أنا فى كابوس مش عارفه أخرج منه
ولا متخيله اللى حصل..
أنا موافقه...
موافقه يا دكتور أعمل العملية..
يبتسم الدكتور :
ثوانى وهجهز العمليات..
أستعدى...
تقترب منها سعاد وهى تبتسم
والله حل كويس يامنى
أنتى ربنا بيحبك...
حاجه متخطرش على البال
منى : وجايز يكون عقاب من ربنا
على اللى عملته فى حياتى..
وممكن العمليه متنجحش
ومش متخيله إنى هكون بملامح
واحده تانيه معرفهاش !!
سعاد :
هو يعنى أحنا اللى لينا أهل يسألو
علينا..!
أى ملامح مش هتفرق..
إنتى هتفضلى برضه منى..
ويجوز يكون بدايه جديده ليكى ..
زى اللى أتولد من جديد...
منى فى تعجب : أزاى...!
تقصدى إيه..!
سعاد :
يعنى ملامح جديده
مع حياة جديده بعد قاسم سكر
لا حد هيعرفك
ولا هيفتكر إنتى كنت مين..
ولا
كنتى بتشتغلى إيه..
تشعر منى ببعض الإقتناع وقبول الأمر..
وتدخل لحظتها الممرضه تقول بملامحها
: الجميله يالله بينا...
تتحرك منى معها
وبجسدها الذى يرتجف
تذهب إلى غرفة العمليات
وتمدد جسدها فوق فراش جلدى أسود
وبجابنها جثة الفتاة مغطاه...
ويبدأ الطبيب فى تخديرها...
وتذهب منى إلى عالم آخر
ترى فيه الكثير من الأحلام.
والكثير من الوجوه التى مرت
فى حياتها...
وذكرياتها...
وبدأت تستيقظ من جديد
ترى الطبيب مبتسمًا ...
وبجانبه سعاد
يقول : حمدالله على سلامتك...
منى تشعر بألم في كل جسدها
لتقول : آه
أنا تعبانه أوى يا دكتور
هز رأسه : أطمنى إنتى بخير
تبتسم سعاد : العمليه نجحت يا منى..
منى فى تعجب : بجد يا دكتور..؟
ابتسم الطبيب : إن شاء الله..
منى بصوت خائف مرتبك :
يعنى ملامحى إتغيرت...؟
الطبيب : بعد ما نشيل الشاش هنعرف..
هنعرف كل حاجه..
منى : يعنى
هكون شبه البنت اللى خدت وشها...
مط شفتيه : والله دى بقى حاجه
مش مضمونه ..
لأن النوع ده من العمليات نادر وصعب
ونجاحه ضعيف..
لكن نسبة الشبه إنتى ونصيبك..
ممكن خمسين فى الميه
ستين..
سبعين..
أو لو ربنا أراد تمانين
أسوع بالكتير وهيبان...
عادت منى تنتظر فى لهفه لم تعهدها من
قبل ..
وتتخيل وترسم صورة جديده لها..
ول حياة مجهوله تنتظرها..!
لا تصدق أنها بعد أسبوع من
الآن سترى وجهًا جديدًا
فى ملامحها..
ترى
وجه
جديد فى المرآة ليس لها..
لإمرأه
غيرها قد ماتت..
لا
تعرف من تكون..
بدأت عقارب الساعه تزحف...
أسبوع
وجاءت اللحظه الحاسمه
وهى أمام المرآة
ينزع الطبيب الشاش من فوق وجهها..
وهى
تشعر بجسدها يرتجف وينتفض
رعبًا..
ليكشف الغطاء عن ملامح جديده لها
ويتراجع الجميع لا يصدق ..
ويصرخ الطبيب من هول الصدمه ليشير
لها فى ذهول لا حدود له :
مش ممكن ..!
أنا مش متخيل النجاح اللى حصل..!
سعاد تبتسم فى فرحه غامره تصرخ :
قمر...
قمر يامنى اقسم بالله ...
تشير منى بسبابتها إلى المرآة
والى الملامح
الجديده تقول : مين دى..!
يبتسم الطبيب :
دى ملامح البنت اللى
ماتت ..
واللى
إنتى دلوقتى خدتى ملامحها..
سعاد :
واضح إنها كانت جميله أوى..
منى : أنا
معرفتش أسمها لحد دلوقتى
يا
دكتور..؟
ولا
هيه مين..!
الطبيب : أنا معرفش عنها أى حاجه ..
غير حاجه واحده بس ..
إن إسمها..
ناديه..
ناديه محمود....
تعليقات
إرسال تعليق