رواية
سكان القمر
الجزء 56 والأخير
تأليف الكاتب محمد أبوالنجا
بعد ثلاث سنوات ..
من إتخاذ سليم قراره من الزواج من
عزة ابنت عمته شاديه ..
دون إن يعرف سبب لفعل ذلك ..
أنه لم يحبها يوماً ..
او فكر فى الارتباط بها ...
لكنها تزوجها ...
وانجب منها ولده مراد ...
وعاش فى سعاده زوجيه ..
لا حدود لها ..
لكنه ظل دائماً يحاول تفسير
غيبوبته هو وعائلته عام كامل ..
لكن بلا جدوى ..
لكن تدريجيا مع الوقت
بدأ يستسلم لنسيان الأمر ...
وفى تلك الليله البارده داخل عيادة
طبيب الأطفال ( مجدى ماجد )
يتفحص مراد الصغير الذى تخطى
عمره العام ونصف ..
ليقول الطبيب الشاب ...
طويل القامه ...
وسيم الملامح ...
بهدوء : متقلقش يا استاذ سليم ..
مراد بخير ... انته عارف الجو
فى الوقت ده من السنه ..
بارد ...
وكتير من الأطفال بتتعرض
لنزلات من النوع ده ...
لكن إن شاء الله هيبقى بخير ...
وعاد يجلس على مقعد مكتبه ..
ويدون بقلمه الروشته ...
ويمدها نحوهم مبتسماً :
هياخد العلاج ده اللى كتبتهوله ...
وعايز اشوفوا بعد تلات ايام .. بالظبط ..
ضروؤى ..
عزة مبتسمه : هو كان كويس والله
يادكتور مجدى ...
وكنا خارجين النهارده ..
فجأة حسيت إن لونه اصفر ..
واتغير ..
أنا خوفت جدا ...
واتوترت.....
و جرينا بيه أوام على هنا ..
على طول ...
ابتسم الطبيب مجدى :
عادى جداً ...
مش عايزكم تقلقوا ...
بعد العلاج إن شاء الله هيخف ...
و هيبقى كويس ..
وبعدين الاصفر ارحم من اللون الازرق ..
عقد سليم حاجباه فى حيره يقول
: يعنى إيه يا دكتور مجدى ...!!
يتراجع مجدى بظهره للوراء يستند
على مقعده الخشبى الكبير لمكتبه يقول
: فى طفل بتجيله نوبات غريبه
بيتغير لون جسده بالكامل للأزرق ...
يخفق قلب سليم مع كلماته دون
ان يعرف السبب ..
ليقول فى حيره : وبعدين يا مجدى
إيه اللى بيحصل ...؟
يعتدل مجدى واقفاً ..
يسير بالقرب من سليم ..
يرفع نظارته من فوق عينيه قائلا :
الغريب إن الطفل ده ساليم ميه فى الميه ..
ومبيشتكيش من أى حاجه ..
وعمره دلوقت تقريبا خمس
أو ست سنوات ...
لا يعلم سليم لماذا اهتم بأمر هذا الطفل
بهذا الشكل ...
وعلى هذا النحو ...
واحس برغبه لسماع الكثير من
الحديث عنه ..
ومعرفة المزيد عن قصته ...
لكن لماذا أراد ذلك ..!
لا يعلم ..
ليقول فى أهتمام واضح
: اسمه إيه الطفل ..؟
وابن مين ...؟
وساكن فين ...؟
عقدت عزة حاجباها فى تعجب تهتف فى
دهشه بصوت صارم : سليم ....
إيه اللى بتقوله ده ..!!
احنا مالنا ...؟
سليم : مفيش مجرد فضول ..
مجدى : اسمه نديم ...
وعلى فكره هو على وصول دلوقت ..
ويمكن يكون بره ...
عشان كده قولت لكم عليه ..
عزة فى دهشه :
يعنى هنشوفوا دلوقت
بلونه الأزرق ..؟
ينفى مجدى :
لاء طبعا ...
دى مجرد نوبات بتيجى على فترات ...
و مش عارفين سببها ..
لكن والدته بتحب تتابع كل اسبوع
هنا معايا ..
عشان تطمن ..
وتكشف عليه ...
بصوره دوريه ..
لكن هو طفل طبيعى جداً ..
لكن وقت تغير اللون بيكون حقيقى
امر مرعب ..
وغامض ... ومش مفهوم له سبب ..
تتنهد عزة وكأنما تحاول إنهاء
الحديث حول ذلك الطفل إلى
تلك النقطه لتقول :
على كل حال بعد تلات ايام
هجيب مراد عشان نطمن عليه ..
هز مجدى : رأسه اكيد ..
فى انتظاركم .
يخرج سليم من حجرة الطبيب ..
ليجد حشد من الأطفال الصغار
فى إنتظار الكشف والفحص .
عزة فى صدمه : ياه ..
كل دى أطفال مريضه ...!
دول جم امته ..!
مكنش الوضع كده اول ما دخلنا هنا
من شويه ...!!
واضح إن البرد الايام دى فعلاً
زى ما قال الدكتور مجدى ..
عامل عمايله مع الاطفال ..
كمان ..
بترت عبارتها فجأة وعيناها تتسع
وهى ترى سليم شارد الذهن نحو
طفل صغير يلهوى بين أقدام أمه بعيداً
..
ويلعب بشىء ما غير واضح فى يده ...
تهتف عزة فى تعجب : مالك ..!
سكت فجأة ليه ..!!
ومبتتكلمش ..!
وعمال تبص فى الأتجاة ده ..!
أشار سليم برأسه نحو الصغير
يقول بصوت خافت :
نديم ..
تراجعت عزة فى حيره :
نديم مين ..؟!
آه ...
تقصد الطفل اللى قال عليه
الدكتور مجدى ..؟
اللى بتجيله نوبات لون أزرق ...؟
هز سليم رأسه : ايوه ..
عزة فى تعجب شديد :
لكن الطفل اللى هناك ده مش ازرق ..
عرفت منين بقى أنه نديم ..!!
ما حاوليك اطفال كتير ..!!
اشمعنى ده ..؟
نفى سليم برأسه : مش عارف ...
حسيت ..
تتنهد عزة فى حيره :
تقصد تخمين يعنى ..؟
غمغم سليم : جايز ..
عزة :
طب أنا بقى أراهن إن تخمينك غلط ..
يبتسم سليم : ترهنينى ..
تبادله الإبتسامه : أراهنك ..
ثم عادت تنظر إلى ولدها مراد
النائم بين يديها تقول :
بس على إيه ...؟
الرهان هيكون على إيه ..؟
يغمغم سليم : طلباتك ..
تضحك عزة : ما هى فرصه بقى ....
ولازم أستغلها ..
يبقى تشترى لى العقد الجميل اللى شوفته
الاسبوع اللى فات على النت ..
يشير لها سليم بسبابته :
ولو خسرتى ..؟
عادت تغمغم هى الأخرى تقول
: اللى تطلبه ...
نديم :
متجبيش صفحات محلات الجواهر
دى تانى على النت ..
ولا تطلبى شىء ..
دى خربت بيتى ...
تضحك عزة : بس كده ظلم ..
سليم لازم تجازفى .
تنظر عزة نحو الصغير هناك
: موافقه ..
بس هتعرف اسمه أزاى ..!!
سليم : بسيطه ..
تعالى معايا .
تحرك سليم بهدوء ناحية الصغير
الذى نظر له فى تعجب
وصمت عن اللعب ..
وتعلقت عيناها به .
تتابع الام فى دهشه نظرات سليم
لصغيرها لتقول وهى تضمه فى حضنها
فى خوف حيره :
فى حاجه يا أستاذ ...!!
ينتبه سليم لصوتها ليقول
وهو يشير نحو الصغير
: ابنك ده مش كده ..؟
أومأت السيدة برأسها : ايوه
يبتسم سليم : ماشاءالله ...
ربنا يبارك فيه ..
اصل شبه طفل جارنا بالظبط ...
تخيلنا أنه هوه ..
لكن لما قربنا منه لقينا الأختلاف
بسيط ..
لكن على فكره يشبه خالد جارنا جدا
ودار برأسه نحو عزة يقول :
مش كده ...!!
هزت عزة رأسها : فعلاً ..
شبه خالد جدا ..
عاد سليم ينظر للصغير ويمسكه بكلتا
يديه من كتفه يقول :
اسمك إيه يا حبيبى ...؟
الطفل بصوت ملائكى : نديم ...
يخفق قلب سليم بعنف ..
وتتراجع عزة فى ذهول وصدمه
جعلتها تلتزم الصمت التام ..
والسيده تتابع وتشعر بأن هناك شىء
غريب وغامض يحدث ...
يقاطع هذا الصمت صوت الصغير نديم
الذى قال : ابنك ده يا عموا ...
أومأ سليم برأسه أيوه ياحبيبى بس نايم
..
ينظر نديم له ثم يقول ممكن أبوسه ...
هز سليم رأسه فى إشارة ترحيب
بذلك : اكيد طبعاً ..
عزة : بس بالراحه عشان ميصحاش ...
يقبل نديم الصغير مراد النائم ...
ثم يميل سليم بعدها ويقبله ..
وشعر بجسده كله يرتجف بقوة
وقلبه يخفق ..
دون أن يعرف السبب ..
وهو يقبل ذلك الطفل المجهول نديم ...
وينصرف بعدها وما تزال أعين الصغير
وعيناه تتابع رحيله وفراقه فى صمت ..
إلى أن وصل نديم إلى الأسفل .
واستقل سيارته وبجانبه عزة التى
أصابها الصمت والصدمه ...
لكنها كانت تختلسه
ببعض النظرات ثم قالت فجأة
: معقول تكون صدفه ...!!
تختار الطفل ويطلع فعلاً هو نديم ..!
اكيد فيه حاجه غلط ...
او انك كنت تعرف الطفل ده ...
او سمعت عنه وشوفته قبل كده ...
وخدعتنى ...
يبتسم سليم : على فكره ...
انتى اللى طلبتى الرهان ...
هزت رأسها وهى تتنهد ..
ليكمل : انتى زعلانه ...
عشان خسرتى الرهان ..؟
عزة فى ضجر : حظ ...
وصدفه عجيبه ...
ديما كده محظوظ ..
يبتسم مجرد : إحساس من جوايا
مش عارف مصدره ...
هو اللى قالى إن الطفل ده أمجد ..
تتراجع فى صدمه وذهول تردد
: أمجد ..!!
انتبه لذلك الخطأ الغريب ...
قبل أن يعيد تصحيحه قائلاً :
فى إرتباك : ااااقصد .... نديم ...
ثم عاد الصمت يسود بينهم ..
لكن عقله لم يتوقف ..
ظل يفكر فى أعماقه لماذا أخطأ لسانه
وقال ذلك الاسم ..!
أمجد ..!
ما معنى ذلك ...!
لكن لم يجد اى إجابه ...
او تفسير ...
كانت ذاكرته عند تلك النقطه
قد اختفت ..
ولم يدرك أن هذا الصغير
الذى كان بين يديه منذ قليل
هو ولده الثانى التوءم المفقود ...
ابن ريمونا ..
اخو أدهم ...
الذى طلب تقبيل أخيه مراد .
دون أن يدرك أو يفهم الجميع معنى
لتلك المشاعر ...
وهناك عبر زجاج سيارته الامامى ..
كان هناك ذلك الشىء
بعيداً فى السماء تنشق له السحب
ويظهر ...
يضىء طريقه المظلم ...
ويخفق قلبه بشده حين رؤيته ..
دون أيضاً أن يعرف السبب ...
او يتذكر روايته الممحاه من عقله ...
روايته التى أخفتها ذاكرته ..
روايته الرهيب ...
سكان ..
سكان القمر ...
إضغط هنا الرواية التالية أحزان قسمت
إضغط فى الأسفل للوصول لأى جزء من رواية سكان القمر
تعليقات
إرسال تعليق