رواية
سكان القمر
الجزء 31
تأليف الكاتب محمد أبو النجا
يقترب سليم بخطوات ثقيله من فراش
ولده الصغير قبل أن يتجمد واقفا بلا حركه ..
وعيناه متسعه إلى حد لم تصل له ..
فقد كان ما يشاهده غير طبيعى ..
لقد كان أدهم ولده كما أطلق عليه
واقفاً على قدميه ...
يبتسم وينظر له ...
يقترب سليم أكثر ينظر للصغير الذى كان منذ
قليل يرقد نائما ..
لقد وقف على قدميه فى فتره قياسيه
غير منطقية وغير طبيعيه ..
بالمقارنة مع أقرانه ...
عاد سليم يبتلع ريقه فى صدمه
وعاد ينفى برأسه :
مش
ممكن ...!
مستحيل ..!
ومع نهاية حروفه كلماته كان الصغير يسقط
من فوق الفراش ليمد سليم يده بسرعه يلتقطه
ويحتضنه قبل أن يرتطم بالأرض ...
ويضحك الصغير بشده مع ذلك
الموقف ...
وكأنه قد أعجبه ...
يبدأ
فى تحريك جسده وهو يرفض
أن
يقيده سليم بيده ..
يعود سليم ويضعه أرضاً ..
ليبدأ الصغير بالزحف على اربعه ..
وبسرعه كبيره يختفى أسفل الفراش ..
ينثنى سليم على ركبتيه ..
وهو ينادى بصوت متعب
: تعالى هنا ...
تعالى ..
ظل
الصغير أسفل الفراش يضحك
وهو يزحف ..
يبدو أن تلك اللعبة قد أعجبته ..
مد
سليم يده وأمسك به وجذبه ..
ولم يعد يدر ماذا يفعل ..؟
كريمة تنتظره فى الأسفل ..
وما رآه الآن من صغيره أدهم
يخبره أن وجوده وحده أمر خطر ...
ولا يمكن حمله معه فى مقابلة كريمه
لكن لا بديل أمامه سوى ذلك ..
يخرج سليم ويقابل كريمة التى تنظر
نحو أدهم الصغير فى تعجب تشير بيدها
قائله :
هو
الطفل اللى كان فى البرازيل
مش
كده ..؟!
هز
سليم رأسه : ايوه
تنفى فى صدمه وذهول :
مش ممكن ..!
الطفل كان اصغر من كده بكتير ...!
معقول وصل للحجم ده بالسرعه دى ..!!
أنا مش مصدقه ..!
لولا اللون بتاعه الفريد والنادر والغريب
كنت قولت مش هوه الطفل ..
سليم فى لهجه حاده :
ممكن افهم سبب زيارة حضرتك ..
الغريبه فجأة كده ..؟
تغمغم كريمه قائله : لأكتر من سبب
وعادت تشير بيدها للمقعد الكبير قائله
: بس تسمح لى استريح شويه ..
أومأ سليم برأسه فتبتسم
وهى تتابع الصغير الذى يحاول
الافلات من يدى أبيه ..
لتقول : واضح أن مش لون الطفل بس
اللى مختلف وغريب ..
سليم فى تعجب : مش فاهم تقصدى إيه ..!
كريمه فى ارتباك : اقصد إن
واضح كمان أن الطفل ده فيه حجات تانيه
كتير غريبه مش زى باقى الأطفال
يطلق سليم زفيره يقول فى لهجه صارمه
: ممكن حضرتك تفهمينى بقى سبب زيارتك ..؟
كريمه هده : آه ...
أولا عشان أطمن عليك ..
افتكر أننا بقينا اصدقاء بعد ما اتعرفنا
على بعض فى الرحله ..
يحاول سليم تقيد يد الصغير التى
تمتد تحاول الإمساك بأى شىء
لتتفحصه ..
وهو يقول : اكيد طبعاً الصداقه دى تهمك
خصوصا لو كانت هتوصلك لأى معلومات
تفيدى بيها الإعلام أو الصحافه ..
تنفى كريمه : صدقنى لا ده قصدى
ولا ده تفكيرى ..
ولا شخصيتى ..
يتنهد سليم : والسبب التانى للزياره ..؟
كريمه : الشخص اللى دفع المبلغ الكبير
فى
سبيل الحصول على الطفل
وفى النهاية أتنازل لك عنه ..
عقد سليم حاجبه فى تعجب
:
ماله ..؟
كريمه : انته تعرفه ..؟
ينفى سليم برأسه : لاء معرفوش
وعاد بصوت ولهجه قويه
:
ها .. فى اسئله تانيه ..؟!
كريمه :
أنا قدرت أخد صوره ليه وهحاول
اعرف واوصل لحقيقة شخصيته ..
سليم فى لهجه صارمه
: وده يهمك فى إيه ..؟!
كريمه : للاسف القصة وصلت مصر
وفى صحف وإعلام بدأو يكتبوا عنها
و بإنك قدرت تاخد الطفل الازرق ..
يتراجع سليم فى صدمه وهو يعتدل واقفاً
يشير لها برأسه :
يبقى انتى اللى بلغتى بالقصه
محدش غيرك هيعمل كده ..
تعتدل هي الأخرى واقفه تقول :
افتكر إن المكان كان فيه ناس كتير غيرى
منهم مصريين وعرب ..
وغيرهم ...
ليه تتهمنى أنا اللى نقلت القصه ..!
مع إنى جايه انبهك ..
سليم فى دهشه يردد
: تنبهينى ..!!
هزت كريمه رأسها : أيوه
انبهك إن الناس فى حيره ودهشه
من تصرفك ...
شخص فقد زوجته الممثله الشهيره ساره سمير
ورايح البرازيل يشترى بكل هدوء طفل أزرق ..
ممكن تفتح التلفزيون وتابع القنوات ...
أكيد هتصادف وتسمع الكلام اللى بقوله ده
وأكيد هيحاولوا يتواصلوا معاك ...
عشان يعرفوا سر شراءك للطفل ده ...
سليم واكيد انتى كمان يهمك ..
مش كده ..؟
يسود صمت بعدها قبل أن تقول :
مش هكدب عليك هو أمر بجد مدهش ..
ويثير الحيرة وتساؤلات كتير ..
يغمغم سليم بعد تفكير لحظات ويقول :
انا ممكن أجاوبك على اللغز ده ...
بس
بشرط ...
كريمه فى تعجب : شرط إيه ..؟؟
سليم : إن لو قولت لك عن السبب
اللى خلانى اشترى الطفل يكون ده آخر
كلام بنا ..
وتتفضلى بعدها من غير مطرود ..
ومتسألنيش بعدها أى سؤال ..
والسر يبقى فى بير ..
بينى وبينك بس ..
تهللت أسارير كريمه فى سعاده وهى
تهتف فى فرحه : صدقنى أوعدك ..
همشى بعد ما تقولى السبب
ومش هعلق ولا هسأل بعدها ..
سليم فى لهجه حاده :
والسر يكون فى بير ...
هزت فى إتفاق : أوعدك ..
واقسم لك ب..
يقاطعها : من غير ما تحلفى ..
عاد يقترب منها ويميل نحوها يقول
فى صوت هادىء خافت :
أنا سافرت البرازيل وجبت الطفل ده
عشان هو ....
وعاد للصمت وهى فى قمة الشغف والله
ليقول بصوت هاديء وثابت :
عشان ابنى ..
تختفى ابتسامه كريمه وتلاشت ..
وتبدلت ملامحها للغضب قائله :
مكنش له لازمه نضيع وقت وتتلاعب
معايا وبأعصابى استاذ سليم ...
وعادت تبتعد مغادره فى غضب
قبل أن يهتف لها :
بس خلى بالك
إنك وعدتينى أنه كلامى ده هيكون سر
بنا ..
تشعر بالحنقه والسخط ولم تعلق
وانصرفت نحو الخارج ..
تفتح باب سيارتها وهى تجلس
فى مقعد القيادة ..
وقبل أن تتحرك بها تنظر للأمام
فجأة وتلمع عيناها ..
وهى تفكر فى حديث سليم ...
وتشعر بأن قلبها يدق بقوه ..
وتلك الفكره المرعبه تتطرأ بعقلها ..
أيعقل أن يكون حقا سليم صادقاً ..
وأن يكون بالفعل هذا الطفل ولده ..
وعادت تنفى برأسها فى جنون ..
جنون رهيب وخوف ...
*********
بعد يومين
توقف سليم بسيارته أمام المقابر
وأخذ خطوات هادئه ..
إلى أن وصل إلى واحده من المقابر
تم نقش اسم جده عبد البديع فوقها ...
لقد شعر بحنين كبير لرؤيته ..
لذلك قرر الذهاب وزيارة قبره ...
بدأت تتراقص الدموع فى عينيه ..
لقد كان يعشقه إلى حد كبير ..
فهو بمثابة الأب والجد له ..
قرأ الفاتحه وظل يدعو له ...
ومسح بكف يده تلك الدمعه التى لم
يستطع منعها ...
وأخذ يتحدث معه ويروى له ما حدث
له ..
يشعر وكأن جده يسمعه ..
ويشعر به ..
إلى أن انتهى من زيارته وتحرك مغادرا
المكان نحو سيارته ..
إلى أن انتبه إلى تلك السيده المتشرده
الجالسه بعيداً جوار باب المقابر ..
لم ينتبه إليها لحظة قدومه ..
لكن حينما اقترب منها كانت الصدمه اكبر
مما كان يتخيلها ..
فلم تكن تلك المرأة سوى جدته محاسن ..
يصرخ قلبه وعقله وكل جسده
وينتفض وهو يعلو بصوته يهتف بأسمها
وهو يهرع إليها : جدتى ..
ترفع المرأة رأسها نحوه بملامح بارده ..
بلا أى مشاعر ..
يهمس لها فى سعاده بالغه :
أنا
مش مصدق نفسي ....
أنا دورت عليكى كتير ..
انتى كنت فين ..؟
وبتعملى ايه هنا ..؟
وايه اللى عمل فيكى كده ..؟
وليه سيبتينى ومشيتى ...؟
أنا محتاجك اوى ..
وعاد يلامس يدها ويحاول إصطحابها معه ..
لتدفع يده ترفض ذلك ..
وهو يتوسل إليها أن تأت معه ..
فجأة يضرب مسامعه صوت أجش غليظ
يلتفت نحو ذلك الرجل القادم نحوه يرتدى
جلباب طويل اسود اللون يقول
فى غضب :
عايز منها إيه ياجدع انته ...؟
سليم فى لهجه حاده يرفع يده
: وانته مالك انته ...!
روح لحالك ..
الرجل فى صوت صارم :
انته بتشد الست مبروكه معاك فين ..؟
سليم فى تعجب : الست مبروكه ..!!
الرجل : ايوه ..
أنا فاهم دماغكم ....
انتو عالم لا ضمير ولا زمه ..
ولا بتخافوا ربنا ...
وعاد يدفع سليم فى قوه
: يالله أمشى من هنا ..
غور ..
وسيب الست فى حالها ..
سليم فى إنفعال : ميخصكش ..
وعاد سليم يحاول جذب محاسن
التى رفضت الذهاب بدون أن تنطق كلمه
واحده ..
ومع إصرار سليم ورفضها وتدخل الرجل ..
تعالت الأصوات ..
وشب العراك والتجمهر ..
وحشد من الناس يجتمع ..
ودارت معركه بينهم وبين سليم
الذى لم يستطع الرد بلسانه أو بيده ..
لقد تكاثرت الايدى ..
وجاءت الشرطه لفض الاشتباك ..
وأمام الضابط يلتقط سليم أنفاسه
وقلبه الذى تتسارع دقاته ..
الضابط يحاول فهم ما يحدث وسبب
كل ما حدث ..
يرفع الرجل يده نحو سليم يقول فى غضب
: الراجل ده جاى بالعربيه بتاعته وعايز
ياخد الست الغلبانه مبروكه ..
حاولت امنعه ضربنى ..
واديك شايف سعادتك وشى بقى عامل
ازاى ..
الضابط : وعايز ياخد الست مبروكه ليه ..؟
الرجل الآخر : أكيد راجل ..
يقاطعه الضابط وهو يشير إلى سليم
: انا بسأله هوه ..
وعاد يشير إلى سليم :
حقيقى انته كنت عايز تاخد الست
دى فى عربيتك ..؟
يأخذ سليم شهيق قائلا
: ايوه ..
الضابط : ممكن بطاقتك ..
يخرجها سليم من محفظته
ويمد له بها والضابط يكمل سؤاله :
وكنت عايز تاخدها ليه بقى معاك ..؟
يسود صمت طويل والجميع ينتظر
إجابة سليم لتبرير موقفه ..
والضابط يعيد سؤاله فى غضب :
ممكن توضح ليه عايز تاخد الست معاك
فى العربيه ..؟!
سليم بصوت متلجلج متردد : عشان ..
عشان هيه تبقى جدتى ..
ويتراجع كل الحشد الواقف مع إجابته
الغير متوقعه ..
أو المنطقيه ..
والضابط فى صدمه كبيره يعقد
حاجباه ويشير له :
طب اتفضل معانا ..
وتم القبض على سليم الذى كان
يحاول الحديث وتبرير موقفه ..
لكن بلا جدوى ..
فما كان يقوله لا يمكن لأحد تصديقه ..
ومع استقلاله سيارة الشرطه ظلت عيناه
متعلقه بجدته التى كانت تنظر له وتتابعه
هى الأخرى بين الحشد الواقف ..
والذى كان يقف بينهم رجل لم يتوقع رؤيته
فى هذا المكان ..
أو ذلك الوقت ..
وخفق قلبه بقوة وضرب ضلوعه ..
وهو يقفز من مقعده يصرخ بكل جنون ..
وفزع ..
ورعب ..
فقد كان ذلك الرجل الذى يراه بين الحشد
هو جده عبد البديع ...
تعليقات
إرسال تعليق