رواية سكان القمر
الجزء 15
تأليف الكاتب محمد أبو النجا
استيقظ سليم من وعيه رغماً عنه
فى وقت كان يتمنى أن يبقى فيه
لبعض الوقت ...
حتى يخبر شمس بالقرار الذى اتخذه
بالزواج منها مع ريمونا ...
لكن المفاجأة كانت أكبر من ذلك ..
لقد وجد أمامه آخر شخص يتوقعه
أخيه مصطفى الذى يجلس إلى جواره
يتطلع له عبر حجره واسعه غريبه عنه ..
يعتدل سليم وهو ينتفض يصرخ
فى صدمه : مصطفى ..
مش ممكن ..!
إنته جيت أمته ..!
عاد يقفز من فراشه يحتضنه
فى حب وود
قبل أن يقول مبتسماً : مصطفى
حمد الله على سلامتك ..
انته جيت أمته ...؟
مصطفى يبادله ابتسامه هادئه :
من اسبوع ..
سليم فى ذهول : اسبوع ..!
هز مصطفى رأسه : أيوه
جيت بسببك ..
يشير سليم بسبابته الى صدره
فى تعجب : بسببى أنا ...
يتحرك مصطفى وهو يتجه صوب النافذه
ويزيح ستائرها ليكشف عن القمر البعيد
هناك فى السماء ليخفق معه قلب سليم
وكأنه يتمنى أن يطير الى هناك ليحضر
حبيبته يقاطع شروده الصغير صوت مصطفى
: الدنيا مقلوبه عليك ...
ومكنش حد قادر يعرف
مكانك ..
وده اضطرنى انزل عشان اشوف سبب
إختفاءك ..
وفعلا قلبت الأرض عليك ..
مقدرتش اوصلك ..
لحد ما افتكرت بالصدفه
شقة جدك عبد البديع
الله يرحمه القديمه ..
اللى كان اوقات بيروح يقضى فيها
وقت لوحده
ولقيتك هناك فعلا نايم فى غيبوبه ..
جبتك على المستشفى هنا ..
سليم فى صدمه يقول : ياه اسبوعين
اسبوعين محستش بيهم بأى حاجه ..
مصطفى :
الغريب إن جسمك مكنش
محتاج اى عقاقير أو أى حاجه يستمد
منها طاقته طول فترة غيبوبتك
مكنش محتاج اى حاجه تغذيه ..
وده سبب ذهول للأطباء ...
ومكنوش لاقين تفسير
طبيعى لحالتك
والاغرب ايديك اليمين المقفوله
واللى حاضنه حاجه مجهوله مش عارفين
هيه ايه ..!
ولا قادرين نفتحها ..
انا نفسي كنت مستغرب ومش فاهم
ده معناه ايه ..
يسود الصمت بعد كلماته حتى قاطعه
مصطفى :
اللى بيحصل مش طبيعى ..!
ايه اللى وداك شقة جدك ..؟
وايه السر فى غيبوبتك الغريبه ..
اللى مقدرناش نفسر سببها ..!
انا نايم جمبك فى اوضتك من ساعة
ما جبتك هنا ...
عاد سليم للصمت وهو عاجز عن شرح
الحقيقه التى لن يصدقها أخيها
ليقول مصطفى فى غضب :
افتكر إن من حق اخوك الكبير يعرف
ايه الحكايه ...؟
انته حتى مبتشربش حاجه كنت
قولت إنك بتتعاطى مثلا مخدرات ..
او ..
يقاطعه هذه المره سليم :
المفروض انى احفظ السر اللى قالى
جدى عبد البديع عليه ..
لكن مضطر للأسف أصارحك بيه ...
عقد مصطفى ساعديه أمام صدره
وهو يخطو ويجلس على المقعد المقابل
من فراشه يقول :
سر إيه بقى ممكن تفهمني ..!
وأشار برأسه وبحاجببه فجأة :
وايه الجوهره اللى وقعت منك
على الأرض دى ...!
ينتبه سليم لسقوط الجوهره فيمد يده
يلتقطها فى لهفه وهو يبدأ فى سرد
القصه منذ لحظة احتضار
جده عبد البديع ....
وأخيه مصطفى يستمع له فى تركيز
وأنتباه تام ...
دون أن يقاطعه ...
حتى انتهى ..
مط مصطفى شفتيه ونفى برأسه
يقول فى تعجب :
واضح أنى كنت غلطان ..
وواضح انك بتتعاطى فعلا حاجه ...
او أتجننت ...
ينفى سليم برأسه :
أنا كنت واثق
انك مش هتصدقنى ..
لكن مكنش فيه بديل تانى قدامى غير ا..
يقطاعه مصطفى فى غضب وهو يعتدل يشير
بسبابته نحو القمر :
يصرخ انته عايز تفهمنى
ان جدتك محاسن اللى يرحمها اللى ماتت
من اكتر من خمسين سنه لسه
عايشه فوق هناك ...!
ومحبوسه فى قفص حديد
على القمر ..!
هز سليم رأسه : ايوه ..
صدقنى ...
يطلق مصطفى زفير طويل هذه المره
يقول بملامح وصوت منفعل :
وفى على القمر مخلوقات مفترسه ومرعبه
وضخمه ..!
هز سليم رأسه : ايوه ..
مصطفى : وكمان واحده فيهم اسمها ريمونا
بتحبك وعايزه تتجوزك ..!
وموافقه أنها تشاركك من جواز بنت مسجونه
من القرن التامن ..
هز سليم رأسه من جديد
: ايوه هو ده اللي حصل بالظبط ..
يقترب منه مصطفى فى غضب يقول
بلهجه حاده وإنفعال زائد
: يبقى انته اتجننت ..
اتجننت ولازم
تخرج من المستشفى دى
على مستشفى الامراض النفسيه والعصبيه ..
انته مش طبيعى ..
يرفع سليم يده التى تحمل فيها أصابعه
الجوهره وبصوت حازم يقول
: أنا ممكن بسهوله اقولك
خود جرب ..
جرب تطلع فوق القمر
تطلع هناك ..
وساعتها هتصدفنى ..
لكن مضمنش رجوعك ..
مش ممكن أضحى بيك ..
او اعرض حياتك للخطر والمجازفه ..
يبتسم مصطفى ساخراً وهو يمد له بيد
فى تحدى وإصرار :
لاء متخفش عليه ...
ادينى الجوهره ...
ينفى سليم : مش ممكن طبعا ..
فوق هتلاقى الموت ..
فى كل مكان هتقابله ..
ولو ما ممتش ممكن يسجنونك هناك ..
ومترجعش وتقضى عمرك أسير ..
يعود مصطفى للسخريه :
لاء متخفش عليه
هعرف أتصرف ساعتها ..
ناولنى البتاع اللى فى ايديك دى ..
يعود سليم للنفى :
مش ممكن ..
انا لسه هطلع هناك ..
لسه مكملتش بقيت مهمتى ..
يضحك مصطفى ويقهقه :
مهمة الجواز من ريمونا
وشمس ..!
يابنى لو كان الجواز مشكلتك ممكن
اشوفلك اجمل واحلى عروسه ...
واجوزك من بكره ..
لو حابب ..
لو كان ده يرجعلك عقلك ..
انا سايبك كويس مش عارف رجعت
لقيتك بالشكل ده أزاى ..!
وليه ..!
انته لازم تروح فوراً لدكتور ..
معتقدتش إن وفاة جدك هيه اللى عملت
فيك كده ...
سليم : أنا بعذرك ..
ومقدر إنك مش ممكن تصدق قصتى ..
لكن اديك شوفت ..
انا غبت اسبوعين عن الوعى
جسمى مكنش فيهم للاكل أو الشرب
او حتى عقاقير دوا يستمد منها غذاه
وانته اعترفت بنفسك ان ده حير الأطباء ..
فى نفس الوقت المده اللى قضتها فوق مكنتش
بنفس مدة الوقت هنا ..
يعنى ساعات بسيطه هناك تساوى هنا ايام
واسابيع ..
يبتسم مصطفى ساخراً :
ده مش دليل ..
يطلق سليم تنهيده طويله بعد يأسه
من إقناع أخيه ليقول بهدوء :
انا خلصت كلامى ...
ومبقاش عندى جديد اقوله ..
عشان اثبت لك او تصدق قصتى ..
يمد أخيه مصطفى يده قائلاً بملامح
صلبه متجمده :
ناولنى الجوهره دى ..
تتسع عين سليم وهو يدس الجوهره
فى جرابه وهو ينفى مستحيل طبعاً ..
مصطفى لو كنت صادق فى كلامك خلينى
اجرب ..
خلينا اصدق قصتك بطلوع القمر ..
ينفى سليم من جديد مش ممكن طبعا
تاخد الجوهره ..
مصطفى يبقى كل اللى بتقوله ملوش
اساس من الصحه ...
سليم اولا أنا مقدرش أضحى بيك
واسيبك تروح لمكان من الصعب ترجع
منه ..
والموت هناك هيكون من كل جانب
ثانيا انا لسه قدامى مهمه مخلصتش ..
لسه مرجعتش جدتك ولا ..
يقاطعه مصطفى فى غضب يبقى
من الاحسن متفتحش سيرة
الموضوع ده تانى خلاص ..
وتبعد الجوهره الشيطانه دى
بعيد عنك ..
مط سليم شفتيه من جديد
وهو ينفى فى تحدى :
صعب أنى أوعدك ..
صعب ...
وساد صمت بين الأخوين طويل ...
ومخيف ...
************
بعد يوم
كانت حالة من الغضب على ملامح سليم
وهو يدخل المكتب الخاص بجده عبد البديع
داخل الفيلا
ينظر إلى أخيه مصطفى الجالس فى هدوء
يتصفح كتاب صغير ذو غلاف اسود ..
يقترب سليم ويضرب سطح المكتب
بقبضة يده قائلاً بصوت حاد :
انته بتفتش فى اوضتى ...!
صح ...؟
أنا متأكد ..
يبتسم مصطفى فى هدوء :
محصلش ..
سليم فى ثوره :
أنا متأكد من اللى بقوله ..
وعارف انته بدور على ايه ..
على الجوهره صح ...
يضحك مصطفى فى سخريه :
هو مجنون زيك عشان اصدق الكلام
الفارغ ده ...!
وأصدق قصتك ..!
انته محتاج دكتور صدقنى نفسي ..
عقلك بقى يوهملك حجات محصلتش ..
سليم :
على كل حال الجوهره فى مكان
محدش هيقدر يوصل له غيرى ..
وقريب خلال أيام هثبت لك
أنى مكنتش بكدب ...
لما تشوف جدتك محاسن قدامك بشحمها
ولحمها ...
يزداد مصطفى سخريه ..
ربنا يرحمها ...
كانت طيبه ...
يهم سليم بالانصراف قبل أن يهتف له
أخيه :
كنت عايزك فى موضع بخصوص
القمر اللى بتطلعه ده ....
تتسع عين سليم فى تعجب شديد
قائلا فى حيره :
موضوع إيه ...!
ينظر له مصطفى بأعين خبيثه ..
يقول بصوت هادئ وهو يغلق الكتاب
الذى بين يده ويضعه على سطح المكتب :
موضوع بخصوص عصام تاجر الخشب ..
عصام اسماعيل ...
يتراجع سليم فى تعجب شديد ..
ومصطفى يكمل :
عصام اللى بتقول
كان بيتهجم عليك فى الشقه
وطلع معاك القمر ..
سليم فى شوق لمعرفة ماذا يريد
ان يخبره أخيه يقول فى لهفه :
ماله عصام ...؟
وأخذ مصطفى أخيه يخبره
بمفاجأة جديده صادمه بشأن عصام ...
مفاجأة لم تكن فى الحسبان ...
مفاجأة مذهله ....
تعليقات
إرسال تعليق