رواية
سكان القمر
الجزء 47
تأليف الكاتب محمد أبو النجا
فى حسرة لا
حدود لها ...
توقف سليم
أمام فراش
جدته محاسن الذى يرقد
فوقه صغيره
أدهم ....
فى سبات عميق
...
ممسكاً فى
قبضته الجوهره الزرقاء ..
يغلق سليم
عيناه فى حزن
وهو يستمع إلى
قصة جدته
بصوتها الخافت
المهموم ....
وهى تكاد تبكى
...
حتى انتهت ...
وساد الصمت
لدقائق ...
ليتراجع سليم
بجسده للوراء
ثم يسقط فوق
مقعد خشبى قديم ..
يمسح براحة
يديه وجهه قائلاً :
كده أدهم ابنى
راح منى هو كمان ..
تقترب محاسن
منه قائله فى شفقه :
والله ياسليم
اللى حصل
كان غصبن عنى ..
حاجه مش
طبيعيه خالص ..
زى ما يكون
أدهم عارف هو بيعمل ..
ومتعمد ...
ومقدرتش امنعه
..
كان فيه حاجز
غريب بينى وبينه ...
فجأة يقاطع
حديثها
ذلك اللون الازرق الذى بدأ
فى الزحف إلى جسد أدهم ...
كالماء الذى يتدفق ...
ليتحول جلده بالكامل إلى
اللون الأزرق
..
ينتفض بقوة
للحظات ..
ثم يعود
للسكون والهدوء ..
وسط دهشه لا
حدود لها من سليم
ومحاسن ..
ليعتدل سليم
وقلبه يخفق يقترب من
ولده الذى بدا
وكأنه قد تضخم
بعض الشىء ..
يشعر بقمة
الهلع داخل صدره من أجله ..
يشعر أن حياة
ولده ربما تنتهى فى
اى لحظه ...
ويموت ...
فجأة طرقات
على باب الحجرة ..
وتدلف نحو
الداخل شمس ..
شمس برهان ..
تتسع عين
محاسن فى تعجب تقول
: ياه ..!
شمس ...!
حمد الله على السلامه ياشمس ...
انتى كنتى فين
كل ده ...!
تلقى شمس
التحيه وقد كانت فى كاملة
أناقتها ...
وذات جمال
ساحر ..
تنظر نحو
الصغير النائم تقول
: إيه اللى
حصل ...!
سليم : زى ما
انتى شايفه ..
أدهم وصل فى
رحله مجهوله للقمر ...
شمس فى دهشه
تقول :
تقصد إن كان
معاه الجوهره الزرقاء ..!
هز سليم رأسه
يقول : ايوه ..
شمس فى تعجب :
وازاى وصلت له ..!
وازاى سيبتوه
يمسكها ..!
محاسن فى حزن
:
اللى حصل كان
غصبن عننا ..
يقترب سليم
منها ببطء يقول :
لكن انتى
مجاوبتيش سؤال جدتى ..
كنتى فين
الفتره اللى فاتت دى
كلها ..؟
تتنهد شمس :
كان عندى ظروف ..
ظروف خاصه ..
يعقد سليم
حاجباه فى دهشه
: مش فاهم
...!
يعنى إيه كان
عندك ظروف خاصه ...!
شمس بصوت حاد
:
افتكر كل شخص
من حقه
خصوصياته ..
على كل حال
انا مش هطول عليكم
انا همشى على
طول ..
انا حبيت بس
أودعكم ..
تتسع عين سليم
فى ذهول يقول
فى حسره :
تودعينا ...!!
تودعينا يعنى
ايه ..!
تتبادل معهم
شمس نظرات
فى صمت للحظات
ثم تقول
بصوت خافت
متجلجل : انا ...
أنا ... أنا
اتخطبت ..
يخفق قلبه فى
صدمه حاده ..
كالسكين الحاد
الذى شق صدره نصفين
ليقول فى حزن
شديد :
اتخطبتى ..!
أزاى ...!
اتخطبتى لمين
...!
شمس بهدوء :
اتخطبت
لواحد ثرى ..
رجل أعمال من
تونس ..
اتعرفت عليه
بالصدفه ....
وطلب ايدى ..
ووافقت ..
وهسافر معاه
الاسبوع الجاى ..
يشعر سليم
بالاختناق من حديثها
ليصرخ فى لهفه
:
طب وانا ..!!
انا ..!!
تتنهد شمس
قائله تقول فى غضب :
افتكر أننا
اتكلمنا
فى الموضوع ده
قبل كده ..
وشرحت لك
حقيقه مشاعرى ..
وموعدكش بأى
شىء ...
وانا جيت
دلوقت عشان أودعكم ...
يشعر سليم
بجسده ينتفض مع
حديثها ليقول
بصوت حزين منكسر :
انا مش مصدق
كلامك ..
( لاء صدق يا
سليم )
يلتفت سليم
إلى مصدر الصوت
إلى أخيه
مصطفى الذى ظهر فجأة
داخل الحجره
دون أن يشعر به أحد ..
يقترب من شمس
يقول :
باين عليه
عريس غنى اوى ..؟
هزت شمس رأسها
: فعلا ..
وعرفت منين
...!
يبتسم مصطفى
من العربيه الحمرا
اللى على
ناصية الطريق ..
انا شوفتك
بالصدفه نازله منها ..
ابتسم شمس :
ايوه فعلاً ..
دى عربيتى ..
اول هديه منه ..
مصطفى :
الغريب إنك بتعرفى تسوقى عليها ..
اتعلمت امته
السواقه ..!
وطلعتى الرخصه
..!!
تبتسم شمس
ببرود :
الفلوس تعمل كل حاجه .
يبتسم مصطفى
ساخراً :
فعلاً ..
عندك حق ...
الفلوس تعمل
كل حاجه خصوصاً
مع شخصيه
ماديه زيك ..
تعشق الفلوس
..
تبتسم هى
الأخرى فى سخريه وهى
تخطو هذه
المره نحوه بالقرب منه
تقول :
كلنا بنحب
الفلوس ..
أنا وانته وكل
اللى هنا ..
وأشارت برأسها
وعيناها نحو محاسن
تقول :
عندى محاسن
أهى ...
ضحت فى يوم
بأسرتها وعمرها
وغابت عنهم
خمسين سنه ..
رجعت ملقتش اى
حاجه من اللى
سابتها ...
وسليم عاش طول
عمره فى بوءه معلق
دهب ..
لا عمره حس
بجوع ولا فقر ..
ولا بألم ..
كل اللى
بيطلبه بيلاقيه ...
لكن للأسف
مقدرش يشترى قلبى ..
وهو ده اللى
معذبه ...
يبتسم مصطفى
من جديد
يشير برأسه
نحو أخيه يقول :
سليم كسب
مخسرش لما سبتيه ...
تضحك مع حديثه
بشكل مريب
تقول ساخره :
يسلام عليك ياطيب ..
ياأطيب واحن اخ ..
ما انته عمال
تلعب بيه ..
وبمشاعره ...
وهو نايم فى
العسل مش دارى ...
توديه جنوب افريقيا عشان يدور
على سراب ..
مش موجود ...
اسمه أمجد ابنه ..
التوءم التانى الازرق ...
خدعه ...
عشان تقتل جدته محاسن ..
يتراجع الجميع مع حديثها المثير
حتى مصطفى نفسه لم يتخيل
رد فعلها هذا القوى ليقول
: كدابه ..
انتى كدابه ..
تعيد ضحكتها من جديد :
انا مش كدابه ...
وعندى كمان التسجيل الصوتي
وانته بتتكلم معايا ...
وبتتفق تقتل جدتك محاسن ..
يسود الصمت الرهيبه مع حديثها
وقد سقط قلب مصطفى بين قدميه
وسليم يقترب فى ذهول وصدمه
يقول وهو يمسك بقوة كتف مصطفى
يقول : مصطفى
...
الكلام ده حقيقى ..؟
لم يجيبه مصطفى ليصرخ سليم
بقوة أكثر : ارجوك جاوبنى ..
حقيقى اللى شمس بتقول عليه ..
انته اتفقت على قتل جدتك ..
وخدعتنى بمعلومات غلط
بوجود ابنى التانى عشان
اسافر وتبعدنى ..
ومع حديث سليم تتساقط دموع
جدته فى حزن من سماع تلك الكلمات ..
وبأن حفيدها قد اتفق على قتلها ...
يتنهد مصطفى قائلاً فى إنفعال
: البت دى شيطانه ...
ملعونه ...
تضحك شمس تقول فى سخريه
: انا مش بنت
...
تحب اكمل ..؟
والآه كفايه عليك كده ..؟
مصطفى :
طل البت دى هيه اللى حرضتنى
يا سليم والله ...
هيه اللى لعبة بعقلى ..
هيه اللى خططت ...
ودبرت ..
وجايه دلوقت بتوقع بنا ..
انا فهمت دماغها ...
سليم فى صوت حزين :
هيه فعلاً نجحت فى كده ..
يقاطعه مصطفى
ينفى بيده
سليم اى كان
الخلاف اللى بنا
لكن مفيش حد
يقدر يوقع بنا ..
احنا ملناش
غير بعض ...
وبعدين لسه ..
لسه الكلام
مخلصش يا سليم ..
هيه لو كانت
اللى قالته صح ..
انا عندى اللى
اكبر من كل ده ..
سليم فى تعجب
: لسه عايز
تقول ايه يا
مصطفى ..؟
خلاص ..
الكلام انتهى
...
وكل ..
يقاطعه مصطفى
وهو يضع راحت يده
فى وجه سليم
يمنعه من تكملة جملته يقول
: لاء . .
الكارت اللى معايا المره دى
اقوى من كل
كلامها ..
من كل اللى
فات ...
يثير حديثه
فضول سليم الذى
عقد ساعديه
أمام صدره فى حيره
يقول : اتكلم
يا مصطفى ..
عايز تقول ايه
..؟
مصطفى : مش
هينفع اقول هنا ..
ممكن تتفضلوا
معايا . .
خمس دقائق
بالظبط ..
هتشوف مفاجأة
عمركم ..
صدقونى ..
مفاجأة غير كل
اللى فات ...
تتسع عين شمس
نفسها فى تعجب
من حديثه ..
الواضح فيه
الثقه التامه ...
وهو يخرج من
الحجرة يشير بيده
أن يتبعوه :
تعالوا معايا ..
ثم أخذ يسير
خارج البيت
مع شروق شمس
جديده فوق رؤوسهم ...
يرى فريد هذا
المشهد الغريب من نافذه
حجرته ..
ليخرج مسرعاً
ليتبعهم ....
دون أن ينبس بشفتيه بطرف
كلمه ...
او يعرف سبب
هذا التجمع ..!
او إلى أين
يذهبون . !
حتى توقف
مصطفى أمام سيارة انيقه
حمراء يقول
رافعاً سبابته :
هيه دى بقى عربية شمس ..
يتنهد سليم :
طيب ايه الفايده
من وجودنا هنا
..
احنا كده
بنضيع وقت ..
مصطفى : اصبر
عليه بس ياسليم ...
أنا هكيلك
....
من ساعه كده قولت اخرج
اتمشى شويه
لوحدى .
مكنش جايلى
نوم ..
لحد ما الصدفه
جابتنى هنا ..
شوفت العربيه
دى واقفه كده ..
استغربت اوى
..
عربيه غريبه
..!
وفى مكان
مقطوع بعيد زى ده ..!
وعلى الفجر
كده ...!
اكيد وراها سر
...
بجد زاد
الفضول عندى ..
ولما قربت
منها كانت المفاجأة
هطير عقلى
.....
لقيت اللى جواها شمس ...
مصدقتش عنيه
...
مش معقول
...!!
مفاجأة مكنتش متخيلها ...
تغمغم شمس :
وبعدين ...
انا شايفه إن كلامك ممنوش
اى فايده
فعلاً ...
وبضيع وقت ...
وانا مستعجله
...
واضح انك مش
لاقى حاجه تقولها ...
بعد ما كشفت
حقيقتك قدام اخوك ..
لكن متنساش
انا لو خسرنى
حاجه لا تفدنى
ولا تضرنى ..
ولا تهمنى ...
سليم لا فى
دماغى ولا يلزمنى ..
كانت كلماتها
قاسيه على قلب سليم
الذى تابع دون
حديث فى حزن وهى تكمل
تشير نحو
مصطفى :
لكن انته اخوه
..
اخوه الوحيد
..
والخسارة
كبيره ...
يبتسم مصطفى :
مفيش اى قوة
فى الدنيا
تقدر تفرق بينى
وبين أخويا
...
عشان كده ربنا
أراد يكشف حقيقتك ..
تعقد شمس
حاجبيها فى تعجب ..
وسط صمت
الجميع ..
ومحاسن التى
تتابع فى تعجب
دون أن تتكلم
هي الأخرى ..
يقاطع الصمت
سليم يقول
: لحد دلوقت
مقولتش سبب
وجودنا هنا يا
مصطفى ..!!
قدام عربيتها
...!
مصطفى : جبتكم
هنا ...
عشان اخلى شمس
تفتح
شطنة العربيه
..
ونتفرج عليها
...
يتراجع الجميع
فى تعجب شديد
وسليم فى حيره
:
متتكلم يا
مصطفى ...
كفايه ألغاز ..
انته عايز ايه بالظبط ...؟
وتقصد ايه ...؟
مصطفى :
الصوره هتغنى عن اى كلام ..
وعاد يشير نحو شمس فى صوت صارم
: افتحى يا
شمس من فضلك
شنطة عربيتك
..
عشان نشوف
المفاجأة الكبيره .
المفاجأة اللى
شوفتك بتحطيها
جواها قبل ما تتدخلى علينا ..
تبتلع شمس
ريقها فى توتر
وقد ظهر على
ملامحها الارتباك بشكل
واضح للغايه
..
و ساد صمت
شديد بينهم ...
مما دفع
الفضول الحاد إلى قلب سليم
الذى اقترب
منها يشير بيده :
مالك خايفه
ليه يا شمس ..!!
افتحى الشنطه
..
لكن شمس كانت
متجمده كالصخر ...
لم تتحرك حتى
هب فيها سليم فى
صوت منفعل قوى
:
واضح فعلاً انك مخبيها
جواها كارثه
..
ومش عايزه
تورينا ...
مصطفى : فعلاً
..
هى كارثه ..
حاجه لا يمكن
تخطر على عقلك
ولا تفكيرك ..
ولا خيالك ...
ولا خيال اى حد ...
اشتعل فضول سليم إلى أقصى حد
من كلمات أخيه ..
ليصرخ وهو يهب فى وجهها من جديد
غاضبا :
افتحى يا شمس شنطة العربيه بالذوق
بدل ما ..
تقاطعه بصوت ضعيف :
مفيش داعى ..
حاضر ..
هفتح لكم الشنطه ..
وبعد لحظات تفتح شمس شنظة سيارتها
من الخلف ...
ومعها تتسع عيونهم جميعا إلى أقصى حد ..
وتسقط قلوبهم أرضاً بكل عنف ..
وهم يحدقون جميعاً فى ذهول لا
حدود له ..
امام ذلك الذهب المشع ...
وتصرخ محاسن بكل حسره بأصبعها .
نحو التمثال الذهبى تقول :
ده التمثال اللى سرقته من القمر زمان ..!!
التمثال اللى سرقته من خمسين سنه ..
وكات السبب فى كل اللى حصل لى. .
كانت هذه المره مفاجأة رهيبه ..
مفاجأة مريبه وغامضه ..
مفاجأة غير متوقعه وصادمه للجميع ...
ولا يمكن لأحد تصديقها ...
او توقعها ...
او فهم تفسير لحل لغزها ...

تعليقات
إرسال تعليق