القائمة الرئيسية

الصفحات

رواية
 
سكان القمر
 
الجزء 1
 

تأليف محمد أبو النجا

 

 

 

قطار الإسكندرية السريع المتجه

 

إلى القاهره من عام 1958 ....

 

رجلان يجلسان وحدهما

 

فى ارتباك واضح وأعين زائغه ..

 

العرق يكسو جسدهم وجبهتهم ..

 

وملابسهم ...

 

فى صيف مشمس حار  ...

 

صامتان ..

 

خائفان ...

 

ينظران عبر النافذة وعقولهم لا تتوقف

 

عن التفكير بشكل جنوني ....

 

يقاطع أحدهم هذا الصمت الطويل :

 

فاضل قد إيه عشان نوصل ..؟؟

 

يجيبه الآخر بهدوء دون النظر له :

 

خلاص ....

 

كلها ربع ساعه بالكتير ..

 

ثم يسود الصمت للحظات من جديد ...

 

ليعود الاول بهدوء وصوت مرتبك

 

وحروف متقطعه قائلاً :

 

تفتكر الموضوع كده خلص ..؟

 

تفتكر انتهى ..؟

 

يتنهد الثانى ويدعى اسماعيل

 

الذى كان فى بداية العقد الرابع

 

من عمره أصلع الرأس

 

رفيع الجسد والقامه يقول :

 

مش عارف ...

 

بس احنا هنسلم الامانه ...

 

ونقبض الفلوس ..

 

وبعدها نشوف لنا مكان

 

فى حته بعيده ....

 

محدش يعرف يوصلنا فيه ...

 

ونعيش بقى ونقب على وش الدنيا ...

 

رد الثانى ويدعى جابر وهو ينفى برأسه

 

: قلبى مش مطمن ...

 

حاسس أنهم مش هيسبونا فى حالنا ..

 

اسماعيل فى صوت حاد :

 

خلاص بقى ...

 

احنا وصلنا لمرحله مفهاش رجوع ..

 

الامانه فى إدينا ...

 

هنبعها زى ما اتفقنا ...

 

لو عايز بعدها تاخد نصيبك

 

وتشوف مصلحتك وتشق طريقك ...

 

انته حر ..

 

كل واحد مسؤول عن نفسه ياصاحبى ...

 

جابر والذى كان فى منتصف

 

العقد الثالث من عمره

 

رفيع الجسد والوجه ..

 

 طويل القامه يقول :

 

انا عمرى ما نزلت القاهره ..

 

 ومعرفش حد فيها ...

 

ولا اعرف اروح فين ولا أجى منين ..!

 

انا ماشي وراك من يوم ما خططت

 

وفكرت في المصيبه

 

اللى فيها وعملناها دى ...

 

اسماعيل فى لهجه غليظه : 

 

بقولك ايه كفايه كلام بقى ..

 

خلاص القطر قرب يوصل ...

 

خليك فى ضهرى متبعدتش عنى ...

 

 المحطه كلها زحمه ..

 

ولو تهت منى ...

 

مش هعرف اوصل لك تانى ...

 

القاهره واسعه وزحمه ..

 

وأحنا اول مره ننزلها ...

 

هز جابر فى استسلام رأسه

 

وعاد ينظر عبر النافذه

 

والقطار يعلن عن انتهاء رحلته ..

 

ووصوله ...

 

يجذبان حقائبهم الصغيره ...

 






















ويسيران بجانب بعضهم

 

بخطوات متخبطه ..

 

وعيناهم تدور وتزوغ فى كل اتجاه

 

فى تعجب وصدمه من المكان الجديد

 

 والغريب ..

 

والمتكدس بالبشر ..

 

أمامهم ومن حولهم ...

 

جابر فى ذهول وبأعين متسعه :

 

إيه الزحمه دى كلها ...!

 

أنا مكنتش متخيل إن ح..

 

يقاطعه جابر :

 

 مش بقولك محدش هعرف

 

يوصل لنا هنا ..

 

هنتوه وسط الزحمه الكبيره اللى شايفها

 

دى كلها ..

 

وبعدين ..

 

بتر عبارته فجأة

 

وهو يشاهد ذلك الرجل الضخم

 

الذى ينظر لهم وكأنه قد ظفر بهم بعينيه

 

وحصل على الصيد الثمين الذى ينتظره ..

 

واستعد على أن ينال منه ...

 

يعود يقترب منهم فى شراسه ...

 

ليشعر اسماعيل بالفزع وهو يجذب

 

 جابر من يده فى ذعر 

 

 ‏وهو يعدو يجرى مبتعدًا ...

 

وجابر فى خوف ينظر نحو الضخم الذى

 

أخذ يلاحقهم ..

 

ويطاردهم ..

 

وهم يلتحمان فى زحام ركاب القطار ..

 

لا يعرفان إلى أين تأخذهم أقدامهم ..

 

كل ما يشغل بالهم هو الفرار من ذلك الشخص

 

المجهول الذى ينوى الإمساك بهم ...

 

جابر بقلب خائف يخفق :

 

 مين الراجل اللى بيجرى ورانا ده ..!

 

اسماعيل فى صوت عنيف :

 

معرفش ..

 

ده مش واحد بس ...

 

انا حاسس إن الناس كلها بتجرى ورانا ...

 

جابر : انا اول مره اشوفوا ..

 

لم يجيبه اسماعيل هذه المره

 

وهو يدور يأخذ إتجاه ومنعطف آخر

 

 نحو باب مؤدى نحو خارج المحطه ...

 

ومايزال جابر بجانبه ...

 

يتبعه كالظل ...

 

فجأة يجد الاثنان حشد من الرجال يعترضون

 

طريقهم وأصبح بلا أدنى مجال للشك

 

إن أمرهم قد فضح ..

 

وأن هناك الكثير من يلاحقهم ..

 

ومسألة الهروب باتت شبه مستحيله

 

فى بلد لا يعرفون اى دروب بها ...

 

ليفترقان ...

 

كل منهم يسلك طريق مختلف ...

 

وقرار لم يكن فى الحسبان

 

أو بإرادتهم ..

 

جابر يأخذ طريق لا يعلم إلى أين تأخذه فيه

 

أقدامه ...

 

يشعر بقمة الرعب لفقدانه صديقه المقرب

 

إسماعيل ..

 

وشعر بالندم على كل ما فعله ...

 

وكل ما يحدث له ...

 

وهناك على الطريق الذى وصل إليه

 

كانت السيارات سريعه لا يدرى من

 

أى إتجاه هى قادمه ..

 

وبأقدام خائفه ..

 

متخبطه ...

 

تأت تلك السياره القادمه بسرعه

 

وهى لا تجد بديل أمامها من الارتطام

 

بعد ظهور ذلك الشخص فجأة صوبها ..

 

وأصبح الاصتطدام لا مفر منه ..

 

وتطيح بجسد جابر الذى لم تكتمل صرخته

 

وهو يطير للحظات ثم

 

يسقط بلا أى حركه ..

 

صانعًا بركه كبيره من الدماء ..

 

وهو يلفظ أنفاسه الأخيرة ..

 

وعلى الجانب الآخر

 

كانت المطارده عنيفه بين كتيبه من العمالقه

 

تلاحق إسماعيل الذى كان يقفز تسابق

 

أقدامه الريح ..

 

ويلقى من يده حقيبته التى كانت تعيق

 

إنطلاقه ..

 

وتصنع حاجزا

 

بينه وبين زيادة سرعته  ..

 

لتزداد أكثر وهو يلامس

 

جراب ملابسه ويطمئن على وجود

 

 تلك العلبه الصغيره

 

التى يقاتل ويفعل كل ذلك من أجلها ...

 

فجأة تضرب مسامعه طلقات الرصاص

 

ليشعر بالفزع الرهيب ...

 

لقد تطور الأمر إلى حد لم يتخيله ..

 

لقد أصبح الآن على مشارف الموت ..

 

يشعر بالكثير من الطلقات تعبر بجانبه ..

 

بجانب رأسه وأذنيه ...

 

وتسأل فى سرعه داخل صدره

 

هل هى النهايه ...؟

 

هل سيموت دون تحقيق حلمه الذى

 

عاش سنوات ينتظره ...؟

 

تعترض طريقه سيارة أجرة سوداء

 

ليقفز نحوها

 

يفتح بابها يجلس فى المقعد المجاور للسائق

 

وهو يصرخ له ويطلب منه أن يسرع

 

 بأى شكل ...

 

هربًا من هؤلاء الرجال ..

 

وطلقات أسلحتهم ..

 

وبمهاره يدور السائق ويأخذ طريق جانبى

 

وكأنه يخشى أن يسقط جثه أمام

 

ذلك الموت الذى يحيط بالمكان

 

من كل إتجاه ...

 

كان صوت الطلقات مخيف ..

 

جعله حتى لم يشعر بذلك الرجل

 

 الذى يجلس خائفًا فى المقعد المجاور له ...

 

والذى كان هدفهم الذى يسعون

 

 بكل شراسه لإقتناصه ..

 

يضحك إسماعيل وهو يرى الهدوء قد عم

 

من حوله ..

 

والسكون ..

 

وقد إبتعد عن مرمى نيران الاسلحه ..

 

ووجوههم المخيفه الصلبه ...

 

وأن ذلك السائق قد نجح على أن يخرجه

 

من جحيم الموت الذى سقط به ..

 

حتى أنه لم يفكر بمصير صديقه جابر

 

الذى فقده وأصبح من المستحيل

 

رؤيته فى الوقت القريب مجدداً ..

 

السائق فى ذهول يسأله :

 

هو فيه ايه ...!

 

الناس دى بتجرى وراك ليه ....!

 

وبيضربوا عليك بالرصاص بالشكل ده ...!

 

دانته فلت بأعجوبه ..

 

وانكتب لك عمر جديد ...

 

كنت هتاخدنى فى الرجلين معاك ..

 

كانوا هيقتلونى بسببك ...

 

يتنهد اسماعيل :

 



































 ولا أعرفهم ...

 

 ‏ولا أعرف عايزين منى إيه ...!

 

السائق فى تعجب :

 

غريبه ..!

 

الناس دى كلها بتطاردك ..!

 

وبتضرب عليك بالنار ..!

 

ومتعرفش عايزن يقتلوك ليه ..!

 

ينفى اسماعيل : لاء معرفش ..

 

وبدأ يشعر بتلك السخونه التى فى ظهره

 

ليتراجع وهو يلامس بأصابعه ملابسه

 

 من ظهره

 

 وهو يشهق ويصرخ فى فزع لا حدود له

 

ويرى كل أصباعه مطلاه باللون الأحمر

 

ليقول بملامح الرهبه والفزع :

 

ده دم ..!!

 

ضهرى بينزل دم ...!

 

السائق فى صدمه :

 

واضح انك متعور ...

 

اسماعيل فى فزع يردد :

 

 متعور ..!

 

 ‏طب ازاى ..!

 

السائق : اكيد جت فيك طلقه من الرصاص

 

 الكتير اللى كان حاولينا ومحستش بيها ...

 

اسماعيل فى قمة الرعب يدور بظهره

 

الذى بدأت الدماء تغطى ملابسه

 

وتنساب على المقعد الجالس فوقه

 

ويشعر بضيق أنفاسه ..

 

وخفقان قلبه ..

 

وبإحتضاره ...

 

ليصرخ فى خوف شديد :

 

أنا هموت ..؟

 

هموت ..!

 

ودينى اقرب مستشفى ..

 

أرجوك ...

 

أنقذنى ...

 

أنا عايز أعيش ...

 

هز السائق رأسه يحاول تهدئة روعه

 

ورهبته : متخفش ..

 

متخفش ..

 

إن شاء الله هتبقى كويس ...

 

ربع ساعه بالكتير ..

 

 وهتكون هناك ...

 

وعاد يزداد من سرعته ....

 

وهو يقول :

 

 أنا أول مره من يوم ما اشتغلت

 

اشوف اللى شوفته النهارده ..

 

عشرين سنه سواق فى كل المحافظات

 

لحد ما اشتغلت على التاكسي ده ...

 

محستش ولا شوفت الموت

 

يعنيه زى النهارده ...

 

حاسس إن ال...

 

بتر عبارته وهو يدور برأسه ناحية الرجل

 

الذى جحظت عيناه ...

 

وصمت ..

 

بلا حركه أو صوت ..

 

وأصبح جثه هامدة ...

 

ليضرب مكابح سيارته وهو يهتف به

 

فى ذهول وصدمه ورعب :

 

انته يااستاذ ...

 

انته ...

 

وعاد للصمت وهو يصرخ فى خوف

 

شديد : يادى المصيبه ..

 

ده مات ..

 

لا حول ولا قوه الا بالله

 

اعمل ايه دلوقت ياربى ...!

 

اعمل إيه ...!

 

كان مستخبى لى ده فين ..!

 

أنا مبقاش فيه اعصاب ..

 

ودمى نشف ولا عارف افكر ....

 

وعاد يبتعد بسيارته ..

 

وهو لا يجد سبيل للخروج من تلك الأزمه

 

العويصه التى سقط بها ..

 

ربما لو قام يالابلاغ عن تلك الحادثه

 

لأوقع نفسه فى متاهة التحقيقات ..

 

وهو رجل يعيش حياته كلها بلا أى مشاكل ..

 

يعيش فى انطواء وعزله بعيد عن أى متاعب ..

 

وفى صحراء بعيده عن الناس .

 

ينظر السائق من حوله ثم يفتح باب سيارته

 

ويدفع جثة الرجل المجهوله الذى لا يعرفه

 

وهو اسماعيل ويعود مبتعدًا ...

 

يفر فى خوف يدعو الله بأن أحد لم يراه

 

ويدخل جراج سيارته ويبدأ فى تنظيفها من

 

دماء الرجل ..

 

حتى وقعت عينيه على تلك العلبه الصغيره

 

السوداء ..

 

الغريبه ..

 

والتى لم يرى مثيل لها ...

 

والتى على ما يبدو أنها قد سقطت

 

 من جثة ذلك الرجل الذى مات فى سيارته ...

 

يحملها بين أصابعه ...

 

يضعها صوب عينيه ...

 

يفكر فى صدمه عن سرها ...

 

ومن أين جاءت ...!

 

عقله يخبره بأنها قد سقطت من ذلك

 

الرجل الذى مات منذ قليل بجانبه ..

 

وربما هى السيب فى قتله من هؤلاء

 

الرجال الذين كانوا يلاحقونه .

 

بدأ يحاول فتحها بكل صعوبه ..

 

وبكل طريقه ..

 

فى شغف رهيب ليرى ما بداخلها ...

 

وما تحتويه ...

 

حتى نجح وفتحها ...

 

وتراجع فى ذهول وصدمه لا حدود لها

 

فقد كان ما بداخلها شىء لم يتوقعه

 

أو يصدقه ...

 

أو يخطر بعقله ...

 

شىء رهيب ..


إضغط هنا الجزء 2

 



 إضغط فى الأسفل للوصول لأى جزء من رواية سكان القمر 














 إضغط هنا الجزء 21

 إضغط هنا الجزء 22

 إضغط هنا الجزء 23

 إضغط هنا الجزء 24

 إضغط هنا الجزء 25

إضغط هنا الجزء 26

إضغط هنا الجزء 27

 إضغط هنا الجزء 28

 إضغط هنا الجزء 29

 إضغط هنا الجزء 30

 إضغط هنا الجزء 31

 إضغط هنا الجزء 32

 إضغط هنا الجزء 33

 إضغط هنا الجزء 34

 إضغط هنا الجوء 35

 إضغط هنا الجزء 36

 إضغط هنا الجزء 37

 إضعط هنا الجزء 38

 إضغط هنا الجزء 39

إضغط هنا الجزء 40

إضغط هنا الجزء 41

 إضغط هنا الجزء 42

 إضغط هنا الجزء 43

 إضغط هنا الجزء 44

 إضغط هنا الجزء 45

  إضغط هنا الجزء 46

 إضغط هنا الجزء 47

 إضعط هنا الجزء 48

 إضغط هنا الجزء 49

إضغط هنا الجزء 50

إضغط هنا الجزء 51

هل اعجبك الموضوع :

تعليقات