رواية
سكان القمر
الجزء 52
تأليف الكاتب محمد أبو النجا
لم يستطع سليم إخفاء ملامح الخوف
أمام ذلك العملاق الجالس فوق مقعد
كبير على شكل اسطوانى زجاجى ..
له شعر كثيف الرأس بين قرنيه ..
انفه طويل تميل نحو الأمام ..
تكاد تلمس فمه ...
أنيابه بارزه بشكل مرعب ...
بشرته متشققه كالصخور الجافه ..
عيناه سوداء داكنه كالليل ..
شفتاه لا وجود لها من شدة ضائلتهم ..
وبشره زرقاء داكنة ..
كان مخلوق مختلف عن باقى سكان القمر ..
بصوت أجش كالرعد القوى يقول
وهو يرفع يده إلى وجه سليم :
اقترب ... منى ...
تعالى ...
سليم بخطوات مرتجفه مهتزه وبشكل
متعرج يسير ...
إلى أن أصبح على بعد خطوه واحده
من عرش ذلك المخلوق الذى هز
رأسه ثم انتفض بجسده بشكل غريب
وكأن هناك شىء بين شعره الكثيف
يوءرقه ..
ثم دس يده فى ظهره وجذب شىء
كحيوان صغير أشبه بالجرذ ...
وألقى به بعيداً بلا مباله ..
ثم دار برأسه نحو ابنته ريمونا التى
وضح عليها الإنزعاج وهى تتقدم
فى خوف وتتوقف على شمال يديه
ثم عاد من جديد يقول وهو يرمق
سليم بأعين مفزعه يقول :
انته عارف اللى عملته ...!!
يسود الصمت مع جملته
وسليم لا يجد كلمات لينطق بها
او حتى يدرك معنى لسؤاله
او الذى يقصد ذلك العملاق الوحشى
المخيف ملك سكان القمر .
ليعيد سؤاله فى صوت غاضب
: عارف انته عملت إيه ...!
ينفى سليم برأسه :
انا مش فاهم سؤالك ..!
تقصد إيه ...؟
أشار العملاق إلى نفسه فى شكل متباهى
يقول : أنا سكار ..
الملك سكار .
ملك هذا القمر .
من ألآف السنين بالنسبه لعمر أرضكم ..
لم يتحدث سليم أو يقاطعه ..
كان يشعر بخوف ينساب إلى عروقه
لا يستطيع رده ...
او وقفه ...
وهو يستمع إلى باقى حديث ذلك
العملاق الذى قال وهو يكمل :
انته اتجوزت بنتى ..
ودى جريمه .
ولعنه فى حق سكان القمر كلهم .
عارف ليه ..؟
لم يجيبه سليم وهو يكمل :
لأن أحنا شعب ومخلوقات أعظم وأشرف
منكم
..
سليم فى هدوء يحاول جمع شجاعته
للرد ليقول :
انا شايف إن المقابله دى ..
ما هى إلا مجرد محاكمه ليه ..
غرضها السخريه ...
او الإنتقام ..
ينفى سكار بيده فى حزم قائلاً :
أنته أقل من إنى افكر انتقم منك ..
سليم فى هدوء :
حابب اعرف سبب وجودى
هنا قدامك ..؟
سيكار : انته لا تتخيل حجم الكراهيه
اللى فى قلبى لبنى البشر .
سليم فى صوت قوى :
والسبب ..!!
السبب إيه ..!
تتسع عين سكار أكثر فى مشهد مخيف
قائلاً : بلا أى سبب ..
مفيش سبب .
أنا لفيت كواكب كتير ..
وقابلت مخلوقات فى كل أرجاء الفضاء .
لكن لم أكرهه مثل البشر .
تخيل بقى إن بنتى تزوجت منك ..
مش كده وبس .
دى كمان أنجبت هو منك ..
ريمونا أصبحت فى حكمنا ملعونه ..
والموت هو جزاءئها ..
لكن بعد وجود ريمون الوضع أختلف ..
عقد سليم حاجباه فى حيره وهو لا
يستطيع فهم ما يقصده سكار ..
ليقول فى تعجب :
مش فاهم تقصد إيه ..!
بجملة لولا وجود ريمون ..!
أشار الملك بيده خلف سليم
ليلتفت ليجد ولده أدهم قادم
نحوهم ...
ليقول سليم فى صدمه وهو يرفع
أصبعه : تقصد أدهم ..!!
ينفى الملك سكار برأسه :
ريمون ...
ابن ريمونا ...
ده اسمه الحقيقى هنا ..
أدهم اسم انته اللى أطلقته عليه ..
انسى الاسم ده ...
زى ما هتنسى ابنك ...
يتراجع سليم وقلبه يخفق فى
قوه شديده ليقول بصوت متلجلج
: تقصد إيه انسى ابنى ...!!!
سكار بصوت قوى يميل بصدره للأمام
: يعنى اللى انقذ ريمونا من الموت
وانقذك هو وجود حفيدى ..
وولى العهد من بعدى ..
وعاد ينظر إلى ريمونا الصامته يقول
: بنتى ريمونا اتجوزت عشرات المرات
من اكتر من مخلوق ...
لكنها لم تنجب ...
وفقدت الامل ..
سليم فى تعجب يستمع لحديثه الغريب
وهو يكمل : لكن مكنتش متخيل
إنها تنجب بعد العمر ده كله من بشرى
زيك ...
ولا كنت اتمنى ده يحصل ..
لكن بوجود ريمون حفيدى دلوقت ..
ده ايشفع لك ..
وده اللى رحمها ورحمك من الموت ..
وإن ريمون مطلعش بشرى ..
ده امر أسعدنى ...
ريمون طلع مننا ...
فى قوتنا ..
وسلالتنا ...
وهيكون هنا فى يوم مكانى ...
وهو اللى طلب واترجى منى ارحمك ..
وانا قبلت العفو عنك ..
وعن كل اللى معاك ..
لكن ..
وعاد للصمت قليلا وكأنه يلتقط
انفاسه ثم يقول مستطردا :
انته هترجع الأرض .
لكن بدون ولدك ..
وسارقة القمر ..
جدتك محاسن ..
يسقط قلب سليم بين قدميه من الحسره
ومن كلمات سكار المفزعه لينفى
سليم فى شجاعه :
مش ممكن ..
انا مستحيل اسيب ابنى أدهم ..
ادهم لازم يرجع معايا الأرض ..
ينفى سكار فى حزم :
انا خلاص خلصت كلامى
و خلاص أصدرت الحكم
ودلوقت مش عايز هنا حد غير ريمون
حفيدى ..
اتكلم معاه ...
وقبل أن ينبس سليم بشفتيه
كانت ريمونا تجذبه بيديها وتمنعه .
وهو يسير معها فى ضجر
وسخط وغضب ...
لا يقبل كلمات الملك سكار ..
ولا أوامره ..
وهناك فى حجرته ينظر بأعين غاضبه
الى ريمونا يقول فى تحدى :
انا مستحيل اسيب ابنى أدهم ...
يستحيل اسيب ابنى هنا ..
مهما حصل ..
تتنهد ريمونا وهى تقول
فى حزن :
انا مقدره حزنك ..
ومقدره أسوة الحكم عليك وعليه ...
انا كمان ممنوع نزولى الأرض للأبد .
لكن مفيش مفر ..
سليم فى صوت منفعل ورنه غاضبه
: انا مش هقبل كلامه ..
ولا حكمه ..
ومفيش فايده قوة تجبرنى إنى ..
تقاطعه ريمونا بصوت حاد
: ممكن نتكلم بهدوء ..
وبالعقل ...
بلاش عصبيه وفكر كويس ..
ولا تفهم ..
انته هنا لا تملك اى قوة ..
لا تملك حيله ولا وسيله ..
انته اضعف مما تتخيل ..
حماسك وغضبك فقط هما اللى
بيحركوك ..
لكنه انته ممكن تموت هنا بإشاره ..
او بكلمه ..
ابويا الملك سكار ادالك فرصه العمر
عشان تبدأ من جديد ..
و مش هتقدر حتى ترجع أرضكم من غير
مساعدتنا ..
سليم فى سخط :
يعنى المفروض بعد اللى
قولتيه اقبل الوضع واستجيب ..
واسيب ابنى وجدتى محاسن ..
انا عندى اموت ولا ..
انتى مش رجعتى التمثال ..
وشوفته فى العربيه ..
هزت رأسها : ايوه لكن ده
ميشفعش ليها ..
هيه سرقت ولازم تاخد عقابها ..
سليم فى صوت منفعل :
بس ده مش عدل ...
أنا لازم أف ..
تقاطعه ريمونا فى غضب من جديد :
متنساش إنك لو مت هتحكم على اخوك
مصطفى وعزه وعمتك وفريد
وأبوه منتصر بالموت ..
رجعوهم متلعق برجوعك ..
وبقبولك العرض ..
فكر كويس ...
تقع كلماتها كالصخور فوق رأسه
ليصرخ فى حسره وفزع :
إيه اللى بتقوليه ده ..!!
هزت رأسها : هى دى الحقيقه
عشان كده بقولك اهدى
وفكر ومتتسرعش ...
يتراجع سليم وهو يسقط جالساً
على طرف الفراش المعد له ولحجمه
ينظر للأرض فى حزن وقلبه يتمزق
وهى تكمل :
حياتك مهمه عشان أصبحت
مرتبطه بحياة ناس تهمك ...
ناس من دمك ...
وصمتت لحظه ثم أكملت بهدوء
: الناس دى اهلك
وساد الصمت للحظات ثم مالت
نحوه تقول :
لكن صدقنى زى ما في حزن
هتعيشه ..
ممكن يكون فى مفاجآت تانيه
هتسعدك ...
ومفاجأة هتكون بديل للحزن
اللى شيلته دلوقت ..
وهتعوضك ...
يدور سليم برأسه ناحيتها يقول
: اعتقد بعد كلامك ..
وبعد فقدان ابنى وجدتى
فى المكان ده ...
مفيش بديل او حاجه هتعوضنى ...
تنفى ريمونا : صدقنى
فى مفاجأة هتمحى حزنك على أدهم
او ريمون ..
عقد سليم حاجباه فى تعجب
شديد ولهفه لسماع حديثها
ليعتدل واقفاً من جديد يقول
: مفاجأة إيه اكتر من اللى بعيشه ...!!
تكمل مبتسمه :
هي فعلاً هتكون أكبر مفاجأة مرت
بحياتك ...
مش هتتخيلاها ...
او ممكن تتوقعها ...
وبدأت ريمونا تخبره بسر
جديد ومفاجأة مذهله لم تخطر على
عقله ..
مفاجأة رهيبه بمعنى الكلمه ..
مفاجأة أفقدته عقله ..
إضغط فى الأسفل للوصول لأى جزء من رواية سكان القمر
تعليقات
إرسال تعليق