رواية
سكان القمر
الجزء 32
تأليف الكاتب محمد أبو النجا
داخل فيلا عبد البديع
جلس الثلاثه فى صمت طويل
سليم وأخيه مصطفى و الملازم صفوت ...
حتى قطع هذا الصمت الثقيل صوت صفوت
يقول فى حيره :
مش عارف اقولك ايه يا سليم ...!
الموقف كان محرج جداً ..
مش عارف اتكلم و اقول ايه ...!
حد يحاول يمسك واحده متشرده ويركبها
معاه العربيه ..!
وكمان يقول للظابط أنها جدته ..!
بالزمه ده كلام ..!
سليم عبد البديع
تبقى البنت المتشرده دى جدته ..!!
حتى السن بتاعها ميكملش اربعين سنه ..
يعنى مش من المنطقى تكون حتى والدتك
..!!
مش جدتك ...!!
لولا أنى تدخلت واحتويت الموقف
مش عارف كان وصل لفين دلوقت ..
يتنهد مع نهاية حروفه مصطفى وهو يقول
: أنا مبقاتش عارف اقول ايه أنا كمان
..!
الأمر تخطى الحدود ...
مش عارف أعاتب سليم على ايه والاه ايه
..
كل مره سمعتنا وسيرتنا بتنزل
فى الارض بسببه
والفضيحه بتبقى على كل لسان ...
عشان كده هو حر ...
يعمل اللى هوه عايزه ...
أنا مبقاش ليه دعوه بيه ..
يعمل ما بدا له ...
ومش هيفيد كلامى بحاجه ...
سليم فى غضب يشير له برأسه
: أنته ليه رافض تصدق
إن دى جدتنا أنا وانته ...!
مش صعبانه عليك اللى هيه فيه ...؟
واضح إنها وصلت لحاله نفسيه سيئه
خليتها فقدت النطق والكلام ..
والوعى ..
عقلها متحملش الصدمه اللى حصلت لها ..
وعلى فكره معذوره وعندها حق ..
تغيب ايام بسيطه ترجع تلاقى جوزها
مات ..
وكل اللى تعرفهم مش موجودين ..
كل حاجه بتحبها اختفت . .
اتنقلت فجأة خمسين سنه ..
لزمن تانى ..
وده أمر وصلها للجنون ...
فاتجننت ...
أو حصل لها صدمه عصبيه حاده ...
ورغم اللى هيه فيه
جاى حضرتك طالب منى اتخلى عنها ...!
اسيبها ...!!
مش كفايه اللى حصل لها ...
دى ملهاش غيرنا أنا وانته ...
مصطفى فى إنقعال حاد يصرخ فى وجه
: أهو عشان كلامك المجنون ده
رافض أخوض معاك في حديث ..
عارف إنك مش طبيعى ..
ومصمم على قصه خياليه ..
حتى كلمة خياليه قليله عليها ...
كانت هناك حاله من التوتر الشديد بينهم
وسليم يعلم ويدرك أنه مهما فعل لن
يصدقوه ..
فماذا لو أخبرهم بتلك المفاجأة الرهيبه
الأخرى
وهى أنه رأى جده عبد البديع بين الحشد
الواقف ...؟
هو نفسه لا يملك تفسير لتلك الواقعه
المخيفه ..
لكنه لم يكن يتخيل أن يكون جده ما يزال
على قيد الحياة ...
فهذا شىء مستيحل ...!!
لقد مات ..!!
لقد دفنه بيده ...!!
ينتفض وينتبه إلى صوت
صفوت الذى يحاول تهدئة الأجواء قائلاً
:
ياسليم انته من ساعت ما اتجوزت ساره
سمير
وانته بقيت شخص مش عادى ..
شخص عليه الاضواء ..
الاعلام مستنى يسمع اى خبر عن موضع
اختفاء ساره ..
وأكيد مفيش مصدر هيكون احسن منك ..
لكن انته بتعمل لهم ضجه اعلاميه فى
حاجه
مختلفه خالص ..
دلوقت ملهمش حديث غير عن شراءك
طفل ازرق من البرازيل ..
واكيد موضوع المتشرده ده مش هيعدى
على خير ...
احنا اكيد يهمنا مصلحتك ..
وسمعتك ..
سليم فى تحدى واضح يقول
كل اللى بتقول ده مش هغير اللى جوايا
انا مش هسيب جدتى محاسن ..
يضرب مصطفى كفيه ببعضهما فى ضجر
يقول فى غضب :
برضه هيقولى جدتى ..!
انته لازم تروح لدكتور نفسي ..
حالتك مينفعش نسكت عليها اكتر من كده
واضح إنها بتتطور ..
وبتسوء ..
وهتوصل لمرحله خطره ..
و ..
بتر عبارته وقد سمع الجميع صوت
صراخ السيده التى احضروها جليسه
مع ابنه أدهم ...
لينطلق سليم فى سرعه نحو حجرة ولده ..
قبل أن يتراجع الجميع فى صدمه
لا حدود لها ..
فقد كان أدهم الصغير يزحف ..
ولكن هذه المره ليست على أرض الحجره ..
بل من أعلى ..
على سقفها ..
*******
داخل مستشفى الامراض العقليه والنفسيه
سليم داخل مكتب الدكتور ( أحمد حاتم )
الذى قال : أوعدك استاذ سليم أنى هبذل
قصار جهدى فى علاجها ..
رغم أنى مستغرب إن ..
وعاد يتردد للحظات وهو يرفع ورقه من
فوق مكتبه ويداعب رأسه الصلعاء بيده
لقد تجاوز الخمسين من عمره بعامين
ليقول سليم : أنته مستغرب
انا ليه مهتم بمحاسن دى ...
أو ليه جبتها هنا وطلبت رعايتها على
اكمل
وجه ..
أحمد بصوت هادىء يهز رأسه :
فعلاً ..
بجد أمر محير جداً ...
حضرتك رجل اعمال شهير ..
وشهرتك ذادت أضعاف بعد زواجك من
الممثله ساره سمير ...
ليه مهتم بعلاج واحده متشرده آسف
فى اللفظ من الشارع وعايز تصرف عليها
اى فلوس فى سبيل علاجها ...
سليم : لأنها تبقى أم شخص عزيز عليه
متوفى ..
بمعنى أدق ملهاش غيرى فى الدنيا
ابتسم الدكتور : احمد ربنا يجزيك
خير يا استاذ سليم .
يميل سليم نحو مكتبه يقول :
بس لو تطلب الأمر
أنها تسافر للعلاج فى الخارج أنا
معنديش
أى مانع ..
ومستعد لأى مصاريف ..
مدام ممكن يكون فى نتيجه وترجع
لحالتها الطبيعيه .
هز الدكتور أحمد حاتم رأسه :
لما يتم فحص الحاله كويس وتشخيصها
ممكن بعد كده أحدد لسياتك وأقولك
إيه المطلوب ...
والرعاية الطبيه هنا فى مصر لا تقل عن
بره ...
هز سليم رأسه وهو يصافحه مغادرا
: تمام ...
مش هوصيك بقى يا دكتور .
وخليك ديما على اتصال بيه ..
يبادله الدكتور أحمد التحيه وشفتاه
ما تزال تبتسم ...
لكن قلبه كان يشعر بالقلق ...
دون أن يعرف السبب ...
********
داخل مكتب الملازم صفوت كان مصطفى
ينفث دخان غليونه بشكل غاضب وهو يقول
: مبقاتش عارف أتصرف أزاى معاه يا صفوت
..!
تعبت بجد ...
كمان المعلومات اللى وصلت بتقول
إنه جاب الست دى برضه اللى مصمم أنها جدتنا
محاسن
اللى ماتت من خمسين سنه .
ووداها المصحه من أسبوع أو اكتر ...
هز صفوت رأسه :
عرفت وسمعت ...
لكن هتعمل ايه ...؟
مفيش فايده ..
واضح أنه مصمم كمان ...
وعاد يأخذ شهيق قصير وهو يكمل :
كمان مفيش حاجه قادره تخلينا نوقفه
عن اللى بيعمله ..
بس ..
عقد مصطفى حاجباه وهو ينفث دخان غليونه
يقول : عايز تقول ايه يا صفوت ..؟
صفوت بنبرات تعجب فى صوته :
عايز اقول اننا عارفين سليم كويس ..
عمره ما كان مجنون ..!
أو فكر تفكير خيالى ..!
طول عمره واقعى . .
لكن من يوم وفاة جده عبد البديع
والموضوع اتغير معاه تماماً ...
وعاد يعتدل من مكتبه :
كمان الأغرب من كل ده ..
الصور اللى رسمها جدك ...
الصور دى أنا شوفتها ...
سليم ورهالى ...
وفى نقطه مهمه جدا مطرحنهاش ..
مصطفى فى تعجب : ايه هيه ..!
صفوت يجلس فى المقعد المقابل منه
يقول :
أنا منكرش إن الموضع حيرنى جدا ..
وخلانى افكر بشكل جنونى ..
وفى نقطه مهمه جدا فى القصه دى
مفكرناش فيها خالص ..
مصطفى فى لهفه :
ارجوك اتكلم يا صفوت بلاش تخيرنى ...
وفهمنى تقصد إيه ...؟
صفوت فى هدوء يعود بظهره للوراء
يستند على المقعد يقول :
إن فى صورة من الصور دى رسمها جدك
بإديه ..
وطبعا دى حاجه مفيهاش مجال للشك
اقصد يعنى كل الصور فعلا بخط إدين
جدك عبد البديع ..
هز مصطفى رأسه برضه :
مفهمتش برضه ...!
بترمى بكلامك على إيه ...؟
صورة إيه اللى تقصد تتكلم عليها ...؟
يتنهد صفوت :
صورة شمس برهان .
سليم قالى إن جدك رسمها ...
مط مصطفى شفتيه :
برضه مش شايف اى حاجه غريبه
فى الموضوع ...!!
صفوت يشعل سيجارته هو الآخر
يقول فى هدوء :
أزاى بقى وانته طردتها بنفسك من الفيلا
...!!
انته نسيت القصه دى ...؟!
تراجع مصطفى من حديثه واتسعت عيناه
فى تعجب شديد وهو يقول :
هو انته بدأت تصدقه ...!
بدأت تصدق خوزعبلاته دى ...!!
ينفى صفوت بيديه :
لاء طبعاً .... مصدقتش ....
لكن لو افترضنا إن ملامح البنت
اللي طردتها من الفيلا
هى نفس ملامح الصوره اللى رسمها جدك ..
عارف ده معناه ايه ...؟؟!
يعتدل مصطفى واقفاً في غضب :
ايوه معناه .
إن كلام سليم صح ..
مش ده اللى انته تقصده ...؟
يبقى طلع القمر ..
واتجوز مخلوقه فيه ..
وجاب جدته محاسن ..
وشمس اللى عايشه من القرن الثامن ..
يشير له صفوت بالجلوس والهدوء
وهو يقول : هدى اعصابك بس ...
أنا بفكر في الموضع كله ...
فى القصه والأحداث كلها ...
مصطفى فى صوت حاد :
ما يمكن هو اللى رسم الرسومات
دى بإديه ...؟
ومش بتاعت جده عبد البديع ..
أنا عمر ما سمعت أو عرفت إن جدى بيرسم
..!
أو بيعرف حتى يرسم ...!!
صفوت :
بس اكيد تعرف شكل جدتك محاسن ..؟
هز مصطفى رأسه :
اعرفها طبعاً من صور قديمه ..
قديمه جدا وقليله ..
وملامحها مش واضحه اوى فيها ...
صفوت : يبقى لازم تزور محاسن دى ..
أو مبروكه زى ما بيقولوا عليها ....
اللى وداها اخوك سليم فى المستشفى ..
لازم تقابلها بنفسك ..
وتشوفها ...
وتقارنها بصور جدتك ...
ابتلع مصطفى ريقه من حديث صفوت
المخيف بالنسبه له ...
ليشير له بملامح يسكنها القلق :
يبقى نزورها دلوقت ..
نشوفها حالا ...
يعتدل صفوت من مقعده :
بس لو طلعت هيه ...
قصدى نفس ملامح جدتك ...
لم يجيبه مصطفى ...
ظل صامت ...
ويشعر بالخوف يتدفق فى عروقه ...
وهو يتحرك مع صفوت يتجه لزياره
تلك السيده التى يخفق قلبه كلما تخيل
أنها جدته فعلاً ما تزال على قيد
الحياة ..
قبل أن يصدر رنين هاتف صفوت
ليقول فى تعجب :
ده سليم اخوك ...
وعاد يتحدث معه قبل أن تتسع عيناه
وهو يقول فى ذهول وصدمه :
مش ممكن ...!
وعاد يغلق المحادثه ومصطفى فى
لهفه لمعرفة سبب الإتصال
ليقول بأعين متسعه من الذهول :
واضح أننا هنأجل زيارة المستشفى
دلوقت ....
وهنروح الفيلا ...
خفق قلب مصطفى فى قوة وهو يهتف
: ليه ..؟؟
حصل ايه ..!!
صفوت فى صدمه : أدهم ..
الطفل الأزرق الصغير ...
اللى سليم أخوك بيقول ابنه ..
مصطفى فى لهفه وقلق شديد
يقول : ماله ...؟؟
وما كان يخبره به صفوت هذه المره
مفاجأة جديده ..
مفاجأة صادمه ...
مفاجأة لم تكن فى الحسبان ...
مفاجأة جديده مذهله ..
تعليقات
إرسال تعليق