رواية السرداب
الجزء 33
تأليف محمد أبو النجا
بعد أسبوع
كان خالد يعود للقاهرة بعد أن تمت
الكثير من التحريات والإجراءات عنه
والمفاجأة التى لم يتخيلها أنه
لم يكن عليه أى أحكام قضائيه..
بالرغم من كونه قد هرب من السجن
على أثر جريمة قتل زبيدة
فقد كانت صدمه لا حدود لها
بأن تلك الجريمه ليس لها وجود
أو ملف للقضيه..
كيف حدث هذا..؟
ولغز جديد ينضم لباقى أفراد عائلة
الألغاز التى فى عقله..
التى لا حصر لها ...
ويستنشق صدمات لا يفهم معنى لها ..
وما معنى أن يسقط فيجد نفسه
فى مدينة بعيده
عن وطنه ...!!
كيف وصل لها ..!!
وكيف مر عام من عمره يمر
دون أن يشعر به ...!!
وأكثر من هذا أنهم أخبروه
بوفاته منذ عام ..!!
ولم يكن يقتل زبيده..؟!
ولم يسجن..؟!
والكثير والكثير من الأسئلة ..
ملقاه بجانب حائط ضخم
اسمه ..الغموض...
يتجه خالد إلى شقته ..
التى امتلئت بالحشرات
والعنكبوت والتراب ..
فقد كان من الواضح
أنها مهجوره منذ زمن ..
يفتح خالد النافذه
يستنشق الهواء النقى
وعقله يحاول التنفس معه ...
أثر هذا الإختناق الذى يشعر به من
التفكير المتدفق بقوه عبر خلاياه المنهكه
والمتعبه
يحدق فى سيارته فى الأسفل
والتى كساها التراب
كل شىء يثبت انه قد غاب كثيراً
لغز يذيب العقول
لديه رغبه فى العوده من جديد لهذا القصر
..
يرغب فى دخوله مجدداً ..
وبعد دقائق كان خالد
مستقلاً سيارته ينطلق ..
يشق طريقة نحو القصر ..
ونحو السرداب ..
يخفق قلبه بقوة ..
وهو لا يعلم ما المصير الجديد الذى ينتظره
..
لكن عليه ان يساعد أصدقائة
فى الخروج من القصر ..
كما ساعدوه ..
وهل سيجد ريم هناك...!
أم ماتت..؟
ومع إقترابه يزداد توتره
ويزيد من سرعته
حتى وصل مكان القصر ...
وهنا لم يجد أى شىء ...
مجرد أشجار فقط ...
لا أثر لأى قصر..
المكان خالى تماماً ..
يهبط خالد من سيارته ويدور برأسه فى المكان
ويصرخ : فين القصر ...؟؟
مش ممكن..!
أزاى أختفى...؟!
ويعود لسيارته يستند بظهره على مقعدها
يفكر حتى أوشكت الشمس على المغيب..
إلى أن وصل لقمة الأحباط واليأس
فجأة تتطرق إلى عقله زيارة تلك الشخصيه
إنه مساعده فى مكتبه وليد
يدور بسيارته ويتجه إلى شقته يطرق أبوابها
بعد لحظات كان وليد يفتح الباب
ليتراجع بوجه وملامح يسكنها الفزع ليصرخ
وقد سقطت سيجارته من بين شفتيه من الصدمه
: أستاذ خالد مش ممكن..؟!
إنته لسه عايش..!
يبتسم خالد: أزيك يا وليد ..؟!
يحتضنه وليد : بجد مش مصدق إنى شوفتك
...!
أنا مش مصدق إنك لسه عايش..!
تعالى...
تعالى إتفضل..
اتفضل استاذ خالد مفيش غير
أنا وأمى هنا معايا
خالد : فين أختك سماح ..؟
وليد : سماح اتجوزت من خمس شهور
بس مقولتيليش حضرتك كنت فين
طول المده دى...؟
خالد : مع أنى حاسس إنى مغبتش اوى
عنك يدوب شهر
وسماح اختك كانت لسه متخطبتش
بالسرعه دى كمان اتجوزت..!
وليد : حضرتك اختفيت أكتر
من سنه ، كلنا تخيلنا إنك
بعد الشر مت ..
وكل الناس قالت كده ..
حضرتك كنت فين طول المده دى ..؟
خالد : بعدين هقولك ..
بس محتاج مفتاح المكتب
هو معاك مش كده..؟
وليد : أيوة ..
خالد : انته اشتغلت فين ..؟
وليد : اشتغلت فى مكتب الأستاذ حلمى عبد
الرحمن
بس طبعاً هقدم استقالتى وارجع تانى المكتب
خالد : لو انته مرتاح هناك خليك
أنا مش مستعد الفترة الجاية للشغل
في حجات كتير عايز اعملها
وليد : تحب أوصل معاك المكتب ..
خالد : لاء خليك هاتلى بس رقم تليفونك
وأنا لما أحتاجك هكلمك
يبتسم وليد : والله لحد دلوقتى مش مصدق
إنك قدامى وبكلمك
خالد : ولا أنا وحياتك مصدق أى حاجه
من اللى بشوفها فى حياتى...
************
يدخل خالد مكتبه المتسخه والملىء
بالعنكبوت والأتربه
والواضح بأن أحد لم يدخله منذ طويل...
يتجه خالد صوب حجرته يضىء أنواره ..
ويجلس على مقعد مكتبه
يعود بظهره للوراء يتنهد قائلاً :
كل اللى شايفه وسامعه بيؤكد
بإنى غبت عنهم أكتر من سنه
وأنا مش حاسس غير إنهم أيام
ومفيش أى تفسير قادر أوصل له...
فجأة يتذكر هذا اليوم ..
الذى لا ينسى تاريخه
يوم زيارة ناصر رزق مكتبه ..
هل كان حقيقة ام خيال يعيد فتح
كشف الزيارات لمكتبه
لشهر نوفمبر من عام 2019
وكانت الصدمة الجديده ..
لا يوجد اسم ناصر فى الكشف
وهذا مستحيل ..!
مستحيل ان يحدث ..!
يجذب خالد سماعة هاتفه القديم
فوق المكتب ويضرب رقم وليد الذى
يجيبه : أستاذ خالد
خالد :أيوة ياوليد كنت عايز اسألك عن
حاجه حصلت من فترة فى المكتب
وليد : اتفضل يا استاذ ...
خالد : تفتكر واحد جالى المكتب فى شهر
نوفمبر 2019
ينفجر وليد يضحك ..
خالد : بتضحك على إيه ..؟
وليد : استاذ خالد انا فاكر اسمى بالعافيه
هفتكر زيارة
لشخص من سنه ..
خالد : يوميها انته قولت إنه لازم
ياخد معاد قبل الزيارة
وهو رفض يمشى وأصر إنه يستنانى ..
وليد : صعب اوى يا استاذ خالد افتكر ..
بس أوعدك هحاول أفتكر..
خالد : كان إسمه ناصر رزق..
وليد : آسف استاذ وليد مش قادر أتذكر
خالص دلوقت..
ويتنهى الإتصال بعدها بينهم
يعتدل خالد واقفاً من مقعده ..
يغادر مكتبه ..
ورائحه الغضب تفوح من أنفاسه
فقد فاض به الكيل
وأصبحت تلك الألغاز تشعره بالإختناق..
يتمنى فى بعض الأحيان الموت ليستريح
من كل هذا....
أو يستسلم لرغبة الإنتحار التى تهمس
له بالقرب من أذنيه بصوت خافت
مُلح...
متكرر ..
ينطلق من جديد بسيارته ..
لا يعلم إلى إين يذهب..!
ولا يعلم جبهته ...
يزداد من سرعته ..
لا يخشى الموت بل يتمناه ..
فكلما تذكر ما يحدث له يشتعل
قلبه بالمرار ...
كيف يعيش حياته القادمه
بعد كل ما مر به ..!!
هل كل هذا هو حيلة جديدة من ناصر ..!!
أو من السرداب ..!!
ربما ..!!
كم يشتاق لصديقيه ..شاكر وعمر ..
يشتاق لخفت دم عمر ..وضحكته ..
ويدور خالد بسيارته من جديد لطريق آخر
..
ورغبه غريبه فى الذهاب لصيدلية صديقه عمر
والبحث عن ثغره جديده تساعده فى كشف
اللغز الذى يقتحم حياته .
يصل خالد للحى ولمكان الصيدليه ..
وهنا تأت الصدمة الجديدة ..
والمفاجأة
فقد كان مكان الصيدلية محل كبير للعطارة
..
يتوقف خالد بسيارته ويهبط منها لا يصدق
ما يراه
أين الصيدليه ..؟!
يدخل عمر المحل وسط الزحام وأصوات البشر
يقترب من هذا الرجل الذى يجلس يشاهد التلفاز
..
يشاهد مبارة كرة قدم ويبدو أنه مشغول
ولا يشعر بأى شىء من حوله ..
والأقرب أنه صاحب المكان ..
يلقى خالد عليه السلام ..
ينظر الرجل بسرعه ل خالد ويبادله السلام
وعينيه فى تركيز شديد على أحداث المبارة ...
خالد : لو سمحت ..كنت عايز أسأل
حضرتك عن حاجه
يشير الرجل بسبابته : فيه ناس كتيره شغاله
فى المحل هناك عند حضرتك
ممكن تسألهم عن اى حاجه عايز تشتريها .
خالد : كلهم معاهم زباين ومش فاضين ..
الرجل فى غضب : يعنى انا اللى فاضى..؟
مش شايفنى بتفرج على الماتش
وخسرانين واعصابى بايظه ..
خالد : مش هاخد من وقتك كتير ..
الرجل فى ضجر : قول بسرعه عايز إيه..؟
يشير خالد بيده جانبًا : كان فيه هنا صيدليه
..
مكان المحل ده ..
راحت فين ..؟
الرجل : وانا اعرف منين ..
خالد : صيدلية الدكتور عمر ...!!
الرجل : معرفش ياسيدى ..
فيه حاجه تانيه ..
خالد : حضرتك صاحب المحل ..؟
الرجل : أيوة ..
خالد : انته فاتح المحل هنا من امته ..؟
الرجل بلهجه حاده : هو تحقيق ..؟
وانته مالك ..؟
خالد فى غضب : هتخسر إيه لما تجاوبنى
...!!
الرجل : طيب ممكن تعدى عليه بعد الماتش
..؟
خالد : الموضوع ميستحقش أرجع تانى ..
الرجل فى غضب : وأنا مش فاضى ..
يزداد غضب خالد
وبدون شعور يعتدل من مقعده
ويمد يده ويقوم بإغلاق التلفاز
ليشتعل غضب الرجل ويصرخ واقفاً :
إيه اللى عملته ده..؟!
أنت مين ياجدع انته ..؟
وازاى تقفل التلفزيون وأنا بتفرج ..؟
وبصوت مرتفع يجذب الحاضريين
ويدب الشجار فى المكان
بين خالد وصاحب المحل
ويجتمع حشد من الناس لتهدئة الموقف
يقترب هذا الرجل العجوز من خالد
ويجذبه من يده خارج المحل
ويهمس بهدوء ووجه مبتسم
: مالك يابنى..؟!
إهدى ...
خالد : عمال بكلمه ومش عايز يرد
وبيتفرج على التلفزيون بكل برود ...
الرجل : تعالى معايا..
تعالى أجيب لك كوبية لمون
والاه شاى والاه ينسون
على القهوة وروق دمك ..
كده الناس اتلمت عليكم
من غير لازمه ...
خالد : هو سؤال واحد كنت عايز اعرف إجابته
الرجل العجوز : خير يابنى قول ..
خالد : الصيدليه اللى كانت هنا بتاعت
الدكتور عمر
العجوز ينظر ناحيتها : أيوة يابنى مالها
خالد : أنته تعرفه ..؟
العجوز : أيوة يابنى انا عمك بيومى
مولود فى الحي وعايش من سنين
وصيدليه مقفوله من زمان..
تقريبًا أربع سنين...
يتراجع خالد فى ذهول لا يصدق ما يسمعه
..
وهو يهتف : إيه اللى بتقوله ده ياحاج
..؟
العجوز : أيوة يابنى بعد وفاة الدكتور عمر
وهى مقفوله لحد ما اشتراه ناس
وعملوها دكان عطاره زى ما إنته شايف...
يشعر خالد برأسه تدور وتنقلب الدنيا
رأسًا على عقب
وهو لا يصدق ما يسمعه ...
ليعيد كلماته : ياحاج مش معقول اللى
بتقوله ...!!!
أربع سنين ازاى ...!!
الدكتور عمر ما متش..؟!
العجوز : يابنى والله الدكتور عمر
مات ..
كل الناس هنا عارفه
خالد : مات ازاى..؟!
مش معقول ..؟!
العجوز فى حزن : ماس كهربى
والصيدلية ولعت بيه واتحرق جواها
والناس هنا فى الحى كلها ممكن تقولك
نفس الكلام
الله يرحمه ..
كان دكتور طيب وكلنا بنحبه ...
خالد : مش معقول ...؟!
مش معقول ..؟!
أنا مش مصدق..؟!
العجوز : أنته كنت تعرفه ...؟
خالد : أيوة كان صديقى ..
العجوز : من امته ...؟؟
يتوقف خالد عند هذا السؤال ...
فهو بالفعل لا يتذكر
منذ متى وعمر صديقة ..
ويتذكر تلك الجملة التى قالها ناصر له يوماً
..
( أخبرونى بذكرى بينكم )
ليفتح صفحه جديده بها سؤال جديد :
هل حقاً كان عمر صديقاً له ..؟؟
العجوز : غريبه صاحبك
ومتعرفش إنه مات..؟!
إنته كنت فين طول المده دى ..؟
خالد : كنت مسافر ...
العجوز : فين ...؟
خالد : سانت لويس ...
العجوز : قصدك سانت كاترين ...
يغلق خالد عينيه فى يأس : شكراً ياحاج
وآسف لو سببت أى إزعاج..
وينصرف بعدها خالد منطلقًا بسيارته ..
وسط حاله من الصدمة ..
كأنها مطرقة من الحديد
ضربت جبهته ...
ما هذا الذى يحدث ؟؟
كيف يكون عمر قد مات من اربعة سنوات ..؟
عليه ان يتجه للمكان الآخر ..
إلى صديقه شاكر..
وقلبه وعقله فى حاله من الشرود
الرهيب..
وإحساس مرعب يقتله بالبطىء
وهو يشعر بأن هناك صدمه
جديده تنتظره...
وهو ينظر بعينيه من بعيد إلى مكتب
صديقه شاكر..
وسؤال يردده بين شفتيه..
هل سيجده هناك...؟!
أم هناك مفاجأة مخيفه...
تنتظره..؟!
لمتابعة جميع أجزاء الرواية
إضغط هنا على الجزء المطلوب فى الأسفل
تعليقات
إرسال تعليق