رواية السرداب
الجزء السادس عشر
تأليف محمد أبو النجا
توقف خالد امام مقبض الباب الذى يتأرجح
عليه العقد ..
العقد الذى كان منقوش عليه فيما مضى اسم
زبيده ..
لا يعرف خالد كيف وصل العقد هنا وعندما
امسكه التفت ليسأل ناصر لكنه
اختفى فى القصر ولم يجده ...
امسك خالد العقد ونظر له ..
ولكن لم يكن عليه اى اسم ..
تلاشى منه اسم زبيده ..
نظر خالد وحرك شفتيه فى تعجب
: مش عارف هو ده نفس العقد والاه واحد تانى
غيره..؟
طيب وايه اللى جابه هنا ..؟
مطَ شفتيه هو يضعه فى جرابه الأيمن
وخرج من القصر ..
كان عليه أن يبحث عن فريسه ليقتلها
فريسه لا يعرفها ..
قتيل يحتاج دمائه قربان للسرداب
فى اعماق صدره الرغبه والفضول
يعلنان الموافقه فى ترحاب لتلك الفكره الحمقاء
ستكون تلك الدماء هى مفتاح السرداب
التى تجعله للمره الأول يدخل بشكل واقعى
وحقيقى..
بلا احلام ..أو نوم ..
أو وهم
لم يتخيل يوماً ان تجبره الظروف على الخروج
لقتل شخص لا يعرفه ...
كلما تذكر هذا شعر بالدهشة ..
وهناك هتاف بعيد يأت السرداب
يتردد فى أذنيه..
يطلب ويلح لتلك الدماء
وامام القصر كانت سيارته تتوقف ...
لا يعرف من جاء بها ...!
لتعود فى صورتها الجديده كما كانت فى سابق
عهدها..
يستقلها وينطلق ..
يجول الشوارع يبحث عن ضحيته ..
وعلى من سيقع الأختيار ..
وجوه لبشر كثير لا يعرفها..
الحزين..والسعيد..
الوجه البائس..البشوش
أعمار مختلفه..
منهم من يسير بمفرده..
ومنهم من بين زحام يتحدث..
عشرات الأحاديث لأفواه تتحدث...
لا يعرف ماذا يقولون..
إنها الحياه فى كل ربوع الأرض
الشمس أوشكت على المغيب ..
حتى وصل لهذا الشارع الضيق ...
هناك رجل عجوز نائم فى منتصف
الطريق المظلم على أوراق الجرائد
ملابسه متسخه وذقنه طويل ...
يقترب خالد ويجلس إلى جواره قائلا بصوت هادىء :
اصحى ..اصحى يا حاج ..سامعنى ...
يعتدل العجوز فى صعوبه وينظر له :
انته مين يابنى وعايز منى ايه...؟
خالد : ممكن اتكلم معاك شويه ..
العجوز فى دهشة : واللى زيك يتكلم معايا
فى ايه ..؟
خالد : انته بتنام على الارض هنا بقالك
كام سنه
العجوز : سنين طويله متعدش ..
مبقاتش أحسب ولا عايز..
خلاص خدت على النوم على الارض فى الشارع
...
لكن ..بتسأل السؤال ده ليه ..
خالد : انته مش مولود فى بيت واسره واخوات
..
العجوز : طبعاً زى كل الناس...
خالد : طيب إيه اللى وصل بيك الحال انك
تنام فى الشارع
العجوز : كل واحد من عيالى اتجوز وبعد ما فضل
آخر واحد وماتت مراتى ابنى اتجوز فى الشقة
وشويه شويه بدات مراته تتاقل من وجودى
ومش عايزانى..
قى مش مرغوب فى وجودى...
وابنى كان فى حيره ..
مش عارف يرضيها وفى نفس الوقت مش قادر
يقولى
اسيب بيتى ..تخيل اسيب بيتى ..
محبتش اسمعها منه ..
مشيت ..مشيت عشان مزعلش منه
لو طردنى..
عشان
مفتكرش لحظة وحشه فى حق ابنى
وعشان اموت راضى عليه
ينظر له خالد فى دهشة من حديثة وقال :
مش
نفسك فى اى حاجه
العجوز : يابنى عمال تسألنى من غير ما تقولى
انته مين وعايز منى ايه بالضبط ..؟
خالد : احقق لك امنيه ...
العجوز : انا مبطلبش غير من ربى ..
خالد : قولى بس ..أحلم وانا هحقق لك ..
العجوز : اللى زى مش محتاج غير انه
يموت ربنا راضى عنه
هحتاج ايه تانى ومش هعيش اكتر ما عشت
تخيل لم أنام كل يوم ومش عارف هعيش اليوم
اللى بعده ...
أنا مستنى الموت...
انته فى اول كلامك سألتنى انى اتولدت فى
بيت واسره ..
اليوم ده كأنه امبارح ..
العمر كله عدى فى يوم ..
بس فى النهايه
قضيت اليوم فى ايه ..
وهقول لربنا ايه ....!!
يسود الصمت بين خالد والعجوز
يتنهد خالد بعدها وينظر له : مش نفسك تموت
...؟
العجوز يضع رأسه أرضاً : ليه بتسألنى السؤال
ده ...؟
خالد : بعد العمر اللى عشته والذل اللى
انته فيه دلوقتى ونومتك على الأرض
بيعدى عليك فصول السنه
بتعيش الحر وناره..وشمسه
والبرد والمطر...
العجوز : طب هو فى حد يتمنى الموت عشان
كده
فى فرق إنى بستناه
أو نفسي فيه...
واضح إنك مفهمتش كلامى كويس..
خالد : كلامك كله حكم غريبه..
مين يصدق إن واحد نايم فى الشارع زيك يتكلم
بكل الطلاقه دى..
العجوز : طيب ممكن بقى تسيبنى اكمل نوم
خالد : يعنى عايز تعيش لسه فى الدنيا..؟
العجوز فى غضب : أيوه يابنى اكيد عايز اعيش
لحد ما أجل ربنا يجى..
لكل نفس معاد...
يضحك خالد بشده والعجوز فى تعجب ك بتضحك
ليه ..
خالد : مستغرب انك فى الوضع ده ولسه عايز
تعيش ..
العجوز : مفيش حد بيتمنى الموت..
خالد : لاء..أكيد فى كتير..
العجوز : اللى مع ربنا ميفكرش فى كده..
خالد : طيب لوعرفت انك هتموت النهارده هتعمل
ايه .
يعتدل العجوز فى خوف واقفاً : انته عايز
ايه..؟
لو فكرت تعمل اي حاجه معايا هصوت
وألم عليك الناس
شكلك مجنون...
خالد : طب إيه رأيك تجرب ...
يبتلع العجوز ريقه بأعين زائغه : أجرب إيه..
خالد بلهجه حاده مخيفه : الموت...
يتراجع الرجل خطوات للوراء ويهم بالفرار
يقفز خالد فى لحظه بجانبه يغلق فمه..
وبمنعه من الصراخ..
ويكبل يده ويشله عن الحركه...
ويضربه بقوه على منتصف جبهته ضربتن
ليفقد الوعى...
ويحمله نحو السيارة ..
ويلقى بجسد العجوز بها
عائدًا إلى القصر ..
بصحبة فريسته الأولى...
**********
يتوقف خالد امام السرداب
وهو يلقى من أعلى أكتافه ذلك الحمل
بجانب اقدامه..
لم يكن سوى العجوز المقد الذى ينظر بأعين
يسكنها الرعب...
لينزع خالد من فوق شفتيه غطاء ملتصق
ليصرخ العجوز بعدها بجنون : ألحقونى .
ألحقونى ..هيقتلنى ...
يركله خالد فى معدته فى عنف وجبروت
وكأنما تتبدل شخصيتة بشكل لم يتخيله..
ليتحول لرجل قاس وجاحد وبكل جبروت يصرخ فيه :
مسمعش صوتك ..
ومتصرخش محدش هيسمعك هنا اسكت
العجوز فى رعب : طيب هتقتلنى ليه ...؟
عملت لك ايه يابنى ..؟؟
حرام عليك..
انا لا اعرفك ولا تعرفنى وعمرى ما شوفتك
...
خالد : هو ده المطلوب ان احنا نكون اغراب
ومنعرفش بعض
ناصر يقتر منه وينظر للعجوز الذى يرتجف
ليقول فى سعاده : برافوا عليك
بالسرعه دى جبت أول ضحيه..
خالد متعجبًا : مبقتش فاهم انته ايه ..
عقد ناصر حاجبيه : إيه اللى مش فاهمه..؟!
خالد : سعات بحس انك راجل طيب وسعات بحس انك
شيطان...
إنك معايا..وإنك ضدى..
يضحك ناصر : بعد كل اللى عملته معاك بتقول
كده
يشير خالد بسبابته نحو العجوز : المهم الضحيه
المطلوبه أهى ناوى على ايه..؟
ناصر : إنته بتسألنى..
اكيد هتتقدم قربان ..
خالد : ازاى
يقترب ناصر من الحائط ويجذب العمود لينكشف
من خلفه خرطوم مطاطى يظهر فى مقدمته شىء
أشبه
بسكين حاد وله ثلاث أطراف أخرى ..
مثبته على الحائط ..
خالد فى ذهول : إيه الجهاز الغريب ده
..؟
أول مره أشوف زيه..!
ناصر : دى ألة ضخ الدم على باب السرداب وطبعاً
أول مره تشوفها ..
لأن مفيش فى الكون غير سرداب واحد
خالد : طيب ازاى بيشتغل الجهاز ده...؟
ناصر يشير له : الطرف الحاد فى صدر الضحيه
والثانى على الحائط
والطرف التالت خليه ثابت زى ما هوه
ولم الدم هيضخ على السرداب
هيفتح معاك ...
العجوز فى رعب شديد : مش عايز اموت ...والنبى
...
حرام عليكوا ...معملتش حاجه ...ليه عاوزين
تموتونى ..
خالد : ياعم زعلان ليه انته عشت كتير
..
وبعدين أرحم من نوم الأرض والشوارع
العجوز : والله سعيد ومبسوط ..
خالد : للأسف ..ده قدرك ..وقدرى ..
ويضرب خالد الخرطوم ذو الطرف الحديدى
فى صدر العجوز الذى صرخ والدماء تنفجر
منه ناحية باب السرداب الذى بدأ يتلاشى ..
ويذهب
شيئاً فشىء ...
حتى بدأ العجوز يتهالك ويسقط من التعب
..ثم الموت ...
حتى ظهر هذا الضباب من خلف باب السرداب
ناصر يبتسم له : مبروك عليك السرداب
خالد فى سعاده : هو كده ممكن ادخله ...
ناصر : السرداب ملكك دلوقتى ..
خالد وهعمل ايه فى جثة العجوز
ناصر : متخفش فيه بره مقبره كبيره
محدش يعرف طريقها غيرى..
ودلوقتى أدخل سردابك..
يتحرك خالد نحو السرداب..
نحو عالمه الجديد..
على الأمنيه التى إنتظرها طويلاً..
وفى شغف لا حدود له..
وعقله يحمل سؤال وحيد..
ماذا ينتظره..
هناك فى الأسفل..
فى أعماق السرداب المخيف...
لمتابعة جميع أجزاء الرواية
إضغط هنا على الجزء المطلوب فى الأسفل

تعليقات
إرسال تعليق