رواية
أخباءت حبه
الجزء الأخير 76
رقم ( ب )
تأليف محمد أبو النجا
فى ذهول شديد تطلق ماجده
شهق قويه وهى تنظر نحو
ساره لا تصدق ما تقوله ..
لقد أستمعت الى القصه كامله
بكل تفاصيلها ...
وتعرف ما حدث إلى سمر
لقد تم سجنها مؤبد بتهمت
قتل رحاب ...
لقد كان ذلك منذ زمن بعيد ..
إنها ما تزال على قيد الحياة ..
ولكن الفقر جعلها تبدو وكأنها
فى الثمانون من عمرها ...
ما الذى حدث لها لكى تصل
إلى الحاله المأساويه ...!
عمار فى حيره يقاطع ذلك
الصمت المخيم على الأجواء
قائلاً : ومن تكون سمر تلك
يا أمى ...!!
تنتبه ساره إلى ذلك الخطأ
الفادح الذى وقعت به بنطق
كلمه سمر أمام ولدها ...
كيف يمكنها أن تخبرها أمام
خطيبته أن تلك المرأة العجوز
المتسكح ليست سوى عمته ...؟
شقيقة أبوه ...؟
فى صمت جديد تنظر سالى
مع عمار نحو وجه ساره فى
إنتظار إجابة لذلك السؤال ...
قبل أن تجيب ساره بلهجه
متلعثمه : إنها ...إنها ...
لقد كانت يومًا جاره لى فى
الحى الذى كنت اسكن فيه
قديمًا ... قبل أن أتزوج ...
لكن من الواضح أن طريقتها
وصوتها لم تقنع الجميع ...
ولم يعلق عمار على ردها ..
اكتفى بالصمت ...
لكن ملامح ساره كان يكسوها
الإنزعاج الواضح ...
لقد كانت تفكر فى سمر ...
ما الذى حدث لها طيلة تلك
السنوات الماضيه ...؟
ولكن ما انتبهت له وجعل
جسدها يرتجف هو وقوفها
أمام المستشفى الجديد لولدها
الدكتور عمار بالتحديد ..
ابن اخوها ...!
هل يعنى هذا أنها تعرفه ...!
هل وقوفها فى هذا المكان
بالتحديد هو مجرد صدفه ...!
أم هى متعمده ...
بالتأكيد الإجابه تمتلكها سمر ...
إنها تحتاج لرؤيتها والحديث
معها ...
عادت تنظر إلى ولدها عمار وهى
تقول : أريد مقابلة تلك السيده
العجوز ...
ارتسمت الصدمه على وجه
الجميع ..
وبالتحديد سالى خطيبة عمار ..
وساره تحاول إقناعها بطلبها :
لقد كنت اعرفها يومًا ...
لقد كانت فتاه جميله ومن أصل
طيب ..
لا اعرف سبب وصولها إلى تلك
الحاله المذريه ...
عمار بصوت هادىء : يمكنني
تسوية ذلك الأمر بدفع معونه
شهريه دون الحاجه لمقابلتك
لها ...
تنفى ساره بقوة : لا ...
أنا أحتاج لمقابلتها بنفسي ...
وبأسرع وقت ...
وشعر عمار بدهشه لا حدود
لها من طلب أمه ..
وبأن هناك سر مجهول وراء
ذلك اللقاء ...
سر بالتأكيد كبير. ...
******
اليوم التالى ...
منتصف الظهيره ..
داخل مستشفى الدكتور عمار
التى إقامتها ساره من أجله ..
كانت واقفه أمام النافذه
يكتسي وجهها بعلامات التوتر
والقلق ..
تحدق نحو الخارج وهى
تعقد يديها خلف ظهرها ..
تنتظر فى لهفه لا حدود لها
أن تأتي سمر مرة أخرى وتعاود
الجلوس أمام الباب الجانبى
للمستشفى ...
طرق الباب ودلف نحو الداخل
ولدها عمار الذى قال فى حيره
: أنا فى غاية الدهشه لإهتمامك
الشديد والواضح لمقابلة تلك
السيده العجوز ...!
ربما لن تأت هنا مجددًا ...
تلتفت ساره بهدوء ناحيته
وهى ما تزال تفكر وتحاول
إيجاد إجابه مقنعه فى أعماقها
عن سبب رغبتها الملحه لمقابلة
سمر ..
ربما لا يجدى هذا اللقاء أى نفع ..
ولكنها ترغب به ...
تنتبه فجأة إلى وجه عمار الذى
يقول فى دهشه :
أعتقد بأن هناك سر وراء تلك
الرغبه لمقابلة تلك العجوز ...
ثانيًا لقد قلت أخت محمود ...!
من محمود هذا ...؟
ما سر تلك المرأة العجوز ...؟
لكن ساره ظلت صامته ...
عاجزه عن الرد ...
ليقترب عمار بهدوء وهو ينظر
إلى عينيها : لم ارك من قبل
تخفين سر عنا مثل تلك
المره ...!
تأخذ ساره نفسًا قصيرًا ثم
دارت بوجهه ناحية النافذه
وهى تقول : ربما قريبًا أخبرك
كل شىء ..
ربما ...
لا تتعجل ..
لكن إنتظارها قد طال ..
ولم تأت العجوز المنتظر ...
وتتابع ساره فى اليوم الثانى
والثالث ...
أسبوع كامل ..
دون جدوى ..
أشعلت الحيره والشغف الشديد
فى صدر ولدها عمار ورغبته
فى معرفة السر وراء ذلك
الإهتمام المبالغ فى مقابلة
عجوز متسكح ...
إلى أن جاء ذلك اليوم
وسمعت رنين هاتفها وصوت
عمار يخبرها وهى داخل
بيتها بأنه قد وجد العجوز ..
وهى الآن داخل مكتبه ..
وينتظر قدومها ...
انطلق سياره بسرعه مع سائقها
داخل سيارتها الفارهه ...
وقلبها يخفق بقوه شديده
لا تدر ماذا ستقول ل سمر
فى تلك المقابله ...؟
أو لماذا حتى ترغب فى الحديث
إليها ..؟
ربما لأنها من رائحة ذلك الماضى
الذى تشتاق له ..
فهى شقيقة حبيبها محمود ..
وكانت يومًا صديقه مقربه منها ...
تصل الآن إلى إدراج المستشفى
قلبه يزداد فى دقاته ..
أنفاسها متسارعه ويتوقف كل
شىء وهى تدخل الحجره
الصامته وعلى المقعد تلك
العجوز البائس تجلس ورأسها
تنظر نحو الأرض فى سكون ...
تقترب منها ساره ببطء ...
وعمار يتابع الموقف فى إهتمام
بجوار النافذه القريبه ...
ترفع العجوز رأسها ببطء
قبل أن تقع عيناها على وجه
ساره ليرتجف جسدها كله ...
وتتسع حدقت عيناها الخامله
فى صدمه واضحه انتبه لها
عمار ولاحظها ...
وهى تهتف فى دهشه كبيره
بإسمها قائله : ساره ...!
تقترب منها ساره أكثر وتجلس
على المقعد المقابل و تهز
رأسها بهدوء : نعم ... هو أنا..
ثم دارت بوجهها ناحية عمار
تقول : من فضلك يا عمار ...
أريد أن نتحدث سويًا وحدنا ..
ليخرج عمار فى طاعه وبوجه
يكسوها الضجر والغضب ...
ورغبه مكبوته لمعرفة تفاصيل
ذلك الحوار الذى ترفض أمه
سماعه ...
وبعد خروجه تميل ساره نحوها
وهى تقول : سمر ...
كيف حالك ..؟
ما الذى حدث لك لتصلك بك
الأمور إلى هذا الحد المذرى ...!
تنظر لها ساره بأعين دامعه :
إنها النهاية المنطقيه لقصتى ..
فبعد خروجى من سجن مؤبد
كان هذا المصير هو المنتظر
بالنسبه لي ...
ساره في تعجب : أليس أولادك
ما يزالون على قيد الحياة ..
هزت سمر رأسها : بلى ..
وكلهم فى مناصب مرموقة ..
ولديهم حياة مستقره ناجحه ..
أنا بالنسبه لهم : أم قد ماتت ..
لا أحد يعرف قصتى منهم ...
أو أننى على قيد الحياة ..
لقد أخفى سعيد ذلك عنهم ..
وأرى أنه كان على صواب فى
ذلك ...
لقد كانت خطوة جيده ...
وبعد أن خرجت من السجن منذ
خمسة أعوام لم يكن لدى مأوى
أو مصدر رزق سوى التسول ...
يعتصر قلب ساره ألمًا من أجلها
وهى تقول بصوت حزين :
لم أكن أتخيل تلك النهاية
المؤلمه لك ...
لكن هناك شىء غريب أود
سؤالك فيه ...
تنظر لها سمر فى تعجب :
أى شىء ...؟
ساره فى حيره : وجودك هنا ..
أمام ..
تقاطعها سمر بسرعه : أمام
مستشفى الدكتور عمار ...
ابن محمود أخى ...
أليس كذلك ...؟
هزت ساره رأسها فى صدمه :
يبدو بأنك تعرفين ذلك ...
تبتسم سمر إبتسامه باهته جدًا
وبشفاه رفيعه متحجره : نعم ..
لقد علمت كل شىء عنك ...
وسعيده إلى أقصى حد لما
وصل له حالك أنت وأولاد
أخى ...
عمار ونادر. ..
أنت تستحقين كل خير ...
لقد تعذبت كثير في حياتك ..
أعلم كم عانيت ..
وأنا كنت فى شوق لجلوسى
برفقة اولاد اخى ..
كنت أود رؤيتهم من بعيد ..
لم أكن أتوقع كشف أمرى ...
أننى آسفه على كل حال ..
وأعدك بأننى لن آت هنا
مرة أخرى ...
ولن يرى أحد وج...
تقاطعها ساره بسرعه : لا ...
أنا لم اقصد مقابلتك من أجل
هذا ..
كنت أود ..
أود ..
وعادت فى تعلثم شديد
وسمر تتابعها فى تعجب وهى
تتابع : كنت أود سؤالك عن
محمود ...
تتراجع سمر فى دهشه :
أنا التى كنت أود سؤالك عنه
كل ما علمته أنه قد مات ..
يكسو ملامح ساره الإنزعاج
وهى تصرخ فى صدمه :
مات ...!
كيف حدث ذلك ...؟
كيف مات محمود ...؟
سمر بهدوء : أقصد ما
سمعته من الناس فى كل مكان
أن زوجك والد عمار ونادر
مات ...
الجميع يعلم هذا ...
حتى أولادك ...
لكنى لا اعرف كيف مات ...!
ومتى ...!
إلا إذا كان هناك سر آخر تخفيه
وهذا واضح من سؤالك عنه ...
بأنك لست واثقه فى خبر موته
تضع ساره رأسها أرضًا فى خجل
: نعم بالفعل لقد اختفى محمود
دون أن أعرف مصيره ...
أختفى منذ خمسة وعشرون
عامًا ..
سمر فى صدمه شديده :
وكيف حدث هذا ...؟
لكن ساره كانت عاجزه عن قول
الحقيقه ...
عاجزه عن قول أنها كانت السبب
وراء ذلك ...
تخشى أن تصنع سمر ضوضاء
وشوشرة حين تعلم ما فعلته
بأخيها ..
وحينها من الممكن أن يكشف
عمار ذلك السر الكبير ...
تعتدل ساره واقفه وهى تقترب
من سمر وتقف بأقدامها على
بعد خطوه واحده منها ثم
تضع يديها على كتفها قائله
: من اليوم سأقوم بتوفير
سكن مناسب لك ...
وسيكون لديك دخل ثابت
كل شهر ..
تبتسم سمر فى سخريه :
تقصدى معونه ...
ساره بلهجه حاده : هذا سيكون
أفضل من ذلك التسكح فى
الشوارع أو التسول فى
الطرقات ..
سمر فى سخريه : وهل
ستخبرى أولادك عنى ...؟
وبأن عمتهم ما تزال على قيد
الحياة..؟
تطلق ساره تنهيده : أعتقد
من الأفضل لجميع الأطراف
إخفاء تلك الحقيقة ...
تعتدل سمر واقفه : وأنا
أفضل التسول من الناس
وعطفهم ...
أفضل من إنتظار معونتك
كل شهر ...
ساره في تعجب : ما يزال
عقلك كالحجر صلب ...
عادت ساره تمسك بيديها
كتفى سمر وهى تقول فى
ود : أنت تعلمين كم مقدار
حبى إليك ...
أنت اخت زوجى وحب عمرى
وعمة اولادى وهذا أقل واجب
يمكننى تقديمه إليك ...
ساد الصمت برهة ..
ثم تراجعت ساره خطوه للوراء
قائله : اسمعى لدى سكن مناسب
جدًا لك ...
شقه صغيره ستكون ملائمه
لإقامتك بها ..
ثم أشارت بسبابتها نحو وجه
سمر
: لكن أتمنى أن يظل
ذلك السر بيننا ...
ثم أمسكت يديها قائله :
هيا بنا ...
تنفى سمر : لا دعينى اليوم ..
وسأعد نفسي لذلك بعد
يومين ..
ساره في دهشه : تعدى نفسك ..
إن شقتك الجديده مجهزه ...
ولن تحتاج إلى شىء ..
هزت سمر رأسها : فقط
يومين أجمع بعض المتعلقات
الخاصه بى ..
وسأكون أمامك بعد يومين ...
تنفى ساره : لا ..
لا تأتي إلى هنا مجددًا ...
حتى لا نثير الشكوك أكثر
خاصتًا فى نفس عمار ...
أخبرينى عنوانك المقيمه فيه
الآن ..
وسأرسل لك سياره بعد يومان
لإصطحابك ..
سمر بصوت هادىء : لا داعى
لذلك ..
فأنا مقيمه بالقرب من
المستشفى ..
سأنتظرك فى الباب الخلفي
منها بعد يومين ...
هزت ساره رأسها تقول
فى ثقه : إتفقنا ...
لكن أعين سمر كان لها بريق
غريب شعرت به ساره ...
ولكن لم تفهمه ...
*****
بعد أسبوع من تلك الأحداث ...
انتظرت ساره سمر فيها كل
يوم ..
لكنها لم تأتي ...
لقد خدعتها ...
واختفت ..
اختفت تمامًا ولم يعد لها
أدنى أثر ...
وشعرت ساره بالمرار والسخط
مما فعلته سمر ...
كانت فى حيره شديده لما
فعلته ...
إنها تقدم بكل حب يد
المساعده ...
ولكنها ترفض ...
( ما زلت تلك العجوز تشغلك )
ألتفت ساره داخل ردهة القصر
إلى ولدها عمار الذى يبتسم
فى سخريه : أكثر من أسبوع
أليس كذلك ...
تتسع أعين ساره في صدمه
وهى تقول : كيف علمت
ذلك ...؟
هل تقوم بالتجسس على ..؟
ينفى عمار بقوة : لا ...
هذا لم يحدث ...
ولكن أمن المستشفى أكتشف
وجود سيارتك كل يوم
تنتظر فى هذا المكان ...
وعندما استدعيت السائق
أخبرنى بالقصه ...
وبأنك من طلبت منه المكوث
وإنتظار العجوز واصطحتبها
إلى شقة المعادى التى تملكيها ..
شىء يدعو للحيره والدهشه
القصوى ...
ماذا بينك وبينك تلك المرأة
العجوز لتفعلى معها كل ذلك ..
أخبرينى يا أمى ...
أرجوك ...
أنا فى غاية الدهشه والتعجب ..
الأغرب أنها لم تأتي ..
إنها لا ترغب فى إستجابتك ..
إنها لن تعود ثانيًا ...
وأنت كل يوم على أمل بذلك ...
من تلك المرأة يا أمى ...؟
لكن ظلت ساره تنظر له فى صمت
وهى عاجزه عن الرد ...
ليأخذ عمار نفسًا عميقًا ..
وهو يهز رأسه ويضرب كفيه
فى تعجب : امرأة متسوله تسكن
المقابر ..
يصيبك صدمه حين رؤيتها
وتهديها
شقة بدون مقابل ..
و ..
تقاطعه ساره فى تصدمه :
تسكن المقابر ...!!
كيف علمت ذلك ...؟
كيف ...؟
عمار فى هدوء : لقد تتبعتها
حين جاءت هنا لك ..
كنت فى شغف لمعرفة من
تكون ...
وسر إهتمامك بها ...
ولكنى تفاجأة بوجودها تسكن
داخل المقابر ...
مع زوجها ...
تتراجع ساره فى ذهول وهى
تقول : زوجها ..!
إنها ليست متزوجه ...!!
أقصد ...
كيف علمت بأنها تسكن مع
زوجها ..
عمار فى هدوء : بكل تأكيد
زوجها الكفيف ...
المشوه ...
يسقط قلب ساره بين قدميها
فى صدمه عارمه وهى تصرخ
فى جنون
كفيف ... ومشوه ..!!
هز عمار رأسه : نعم ..
رجل كفيف ومشوه ...
وتصرخ ساره بجنون دون
وعى ...
تصرخ من أعماق قلبها ...
اسم الرجل الوحيد الذي
سكن كل جسدها ...
تصرخ بإسمه فى جنون
: محمود ...
تعليقات
إرسال تعليق