القائمة الرئيسية

الصفحات

رواية أخباءت حبه الجزء الأخير 76( ج )

رواية 
أخباءت حبه
الجزء الأخير 76

 

( ج )

 تأليف محمد أبو النجا


لم تشعر ساره بمثل هذا

 

الإحساس الذى ضرب كل

 

خلايا جسدها مثل تلك اللحظه ..

 

كانت ترتجف بشكل ملحوظ ..

 

وهى تهتف بجنون وتصرخ

 

فى وجه ولدها عمار بإسم

 

حب عمرها محمود ..

 

عقد عمار حاجبيه في تعجب

 

شديد وهو يردد : محمود ...!

 

من محمود هذا يا أمى ...؟

 

لم تنتبه ساره لسؤاله كان

 

كل ما يشغل عقلها هل هو

 

حقًا محمود زوجه الذى رآه

 

عمار ...

 

مستحيل ...!

 

ولكن من يكون سواه مع سمر

 

أخته ...!

 

مشوه وكفيف ...

 

بكل تأكيد هو ...

 

أمسكت ساره بقبضتها اليمنى

 

كتف عمار وهى تسألها :

 

أين رأيتهم ...؟

 

خذنى الآن إلى حيث بيتها

 

إلى حيث رأيتهم ...

 

داخل المقابر ...

 

تتسع أعين عمار فى صدمه

 

وهو يقول : ماذا ...؟

 

الآن ...!

 

نذهب إلى المقابر ...!

 

لماذا ...؟

 

هل تعرفى ذلك المشوه ...؟

 

من يكون ليصيبك كل هذا

 

الذعر يا أمى ...؟

 

أصدقينى القول ...

 

كفى غموض فى قصتك هذا ...

 

تنفى ساره بقوة : لا وقت

 

لدى للحديث

 

تعالى واذهب بى إلى هناك ..

 

بسرعه ...

 

ينفى عمار بطريقه لم تعهدها

 

ساره من قبل معها وهو يرفض

 

: أنا لن أذهب معك ولن

 

أصطحبك إلى أى مكان دون

 

أن أفهم السبب ...

 

تغلق ساره عينها وهى تشعر

 

برغبه عارمه فى البكاء وتتوسل

 

إلى ولدها : أرجوك ...

 

اذهب بى إليهم ...

 

يزداد تعجب عمار إلى أقصى

 

حد وهو يرى دموع أمه

 

ليضع يده على رأسها يقول

 

فى حيره : أنك تبكين ...!

 

تبكين يا أمى ..!

 

أنا فى غاية الحيره من أمرك ...

 

تجلس ساره فى إنهيار على

 

المقعد المجاور وتدفن رأسها

 

بين راحت يديها ...

 

لتسمع صوت عمار : حسنًا ...

 

فليكن يا أمى ...

 

مادامت تلك رغبتك ...

 

هيا بنا ...

 

وفى صمت دون أن ينبس أحد

 

بطرف كلمه كان عمار ينطلق

 

بسيارته مع غروب الشمس

 

إلى المقابر ...

 

لم تقوى اقدام ساره على حملها

 

وهى تخطوا خطوات متعرجه

 

ثقيله ...

 

ريقها جاف كالصخر ...

 

تشعر بضربات قلبها تكاد

 

تسمعها ..

 

يمسكها بسرعه عمار وهو

 

يشعر وكأن أمه توشك على

 

السقوط ...

 

وقلبه ما يزال يشتعل حيره ..

 

حتى توقف أمام حوش صغير

 

داخل المقابر ...

 

وهو يشير برأسه : إنها

 

تسكن هنا ...

 

تحركت ساره ببطء وهى تعيش

 

وكأنها داخل حلم ...

 

وما يحدث وتراه ليس حقيقى ..

 

وعلى بعد خطوه واحده طرقت

 

ساره باب الحجره. ...

 

وانتظرت فى هدوء ومن خلفها

 

عمار يتابع الموقف عن كثب ...

 

وبعد دقيقتين ...

 

فتح الباب بهدوء ..

 

وطلت من وراءه سمر بوجه

 

شاحب سرعان ما تبدل

 

واكتسى بالذهول الشديد

 

وهى تصرخ : ساره ...!

 

كيف جئت إلى هنا ...!!

 

تتجاهل ساره سؤالها وهى

 

تقول بلهجه وصوت خائف

 

وخافت ومتعلثم :

 

 هل هو هنا ...؟

 

هل هو لديك ..؟

 

هل ما يزال على قيد

 

الحياة ...؟

 

أخبرينى ...أرجوك ...

 

أكاد أن أموت ...

 

ظلت سمر متجمده بلا حركه

 

أو حديث وهى تنظر إلى عمار

 

الذى يتابع بتعجب ما يحدث ..

 

ويدور بعينيه فى أرجاء

 

المكان وهو يشعر بالإشمئزاز

 

من قذارته ...

 

وساره تتابع فى شغف ولهف

 

شفتى سمر ....

 

تنتظر ردها القاتل

 

بالنسبه لها ..

 

حتى حركت سمر شفتيها وهزت

 

 رأسها : نعم ...

 

إنه هنا ...

 

وتسقط ساره على ركبتيها

 

وهى تتأوه ...

 

وكأنها تحتضر ...

 

وينطلق عمار وهو يحملها

 

بين يديه ويصرخ : أمى ...

 

ماذا حدث. ..؟

 

تنفجر ساره فى البكاء وهى

 

 تهتف : أين هو ...؟

 

أخبرينى بالله عليكى ...

 

سمر بهدوء : إنه نائم على

 

الفراش فى ذلك الركن

 

 البعيد ..

 

أعتدلت ساره وتحركت ببطء ...

 

وهى تشعر بأنها تحتضر ..

 

لا يمكن أن يحدث هذا ..

 

هل ستلتقى بحبيبها بعد كل تلك

 

السنوات الطويله من العمر ...!!

 

توقفت ساره أمام الفراش ...

 

وهى تطل برأسها وعينيها ببطء ..

 

تتفحص وجه ذلك الرجل النائم

 

فى هدوء وسكون تام كالجثه ..

 

قبل أن تسقط على قدميها

 

وتنهار فى نحيب وبكاء شديد ..

 

تمد أصابعها تجذب كف يده

 

من جانب الغطاء الذى يغطى

 

منتصف جسده ...

 

وتقبل يده بشكل مؤلم ...

 

تقبلها وهى تغرقها بدموعها ...

 

مشهد جعل عمار يكاد يصرخ

 

من صدمة ما يراه ولا يفهمه ...

 

وأمه تهمس بكلمات لا تقوى على

 

إخراجها : لقد تحققت دعوتى ..

 

تحققت أمنيتى فى أن ألقاك

 

من جديد ياحب العمر ...

 

أنا لا أصدق أننى أراك ..

 

أو معك ...

 

كم اشتقت لك ...

 

تقترب سمر منها وهى تميل

 

نحوها وتهمس : إنه لن

 

 يسمعك ...

 

لقد تناول الدواء منذ دقائق ..

 

والدواء هذا به جرعة من

 

المنوم ..

 

ساره فى حزن : دواء ...

 

أى دواء ...

 

سمر بصوت خافت : لقد

 

أصابه الكثير والكثير من

 

 الأمراض التى نسيت أسماؤها

 

أو عدها ..

 

حتى الدواء لا يأخذه بإنتظام

 

فشراؤه أصبح يسبب أزمه

 

ماديه كبيره بالنسبه لنا ..

 

تعود ساره تحتضن كف يده

 

وتضع جبينها فوقه ..

 

وهى ما تزال تهمس : ليتنى

 

أنا من أعانى كل هذا ..

 

ليتنى أنا يا حبيبي ..

 

أتسعت أعين عمار فى صدمه

 

من كلمات أمه الغريبه ..

 

ليخطو ويقترب منها وهو يقول

 

فى حيره بالغه : أمى ...

 

ماذا يحدث ...؟

 

أنا لا أفهم أى شىء ...!

 

ما هذا الذى تفعليه ...؟

 

ومن هؤلاء ...!

 

ومن هذا الرجل الذى تبكى

 

من أجله ...!

 

تعتدل ساره واقفه وهى تمسح

 

دموعها وتنتبه لوجود عمار الذى

 

أنساها لقاء محمود وجوده ...

 

لتسمع صوت عمار يسألها

 

من جديد : من هذا الرجل

 

يا أمى الذى تبكى من أجله

 

 هكذا أسفل قدميه ...!

 

ساره بصوت مهموم :

 

سنتحدث لاحقًا يا ولدى ...

 

سأخبرك كل شىء ...

 

ظهرت علامات الضجر والسخط

 

على وجه عمار وساره تعود

 

برأسها ناحية سمر قائله :

 

لماذا لم تأتي فى الموعد كما

 

أتفقنا ...؟

 

تنظر لها فى حزن : الإجابه

 

واضح يا ساره  ...

 

ساره في دهشه : أى إجابه

 

أنا لم أعد أفهم شىء ...

 

كيف عثرت على محمود بعد

 

خروجك من السجن ...؟

 

سمر : أنا لم أعثر عليه ...

 

بل هو من عثر على ...

 

تتراجع ساره فى تعجب

 

وسمر تتابع : لقد وجدته

 

 مقيم هنا داخل مقابر الأسره ..

 

تدور ساره برأسها فى المكان

 

وسمر تتابع : نعم ..

 

إنها حجرة مدافن رفات

 

أجدادنا ...

 

وأبى وأمى هنا ..

 

وجدته يعيش فى تلك الحجره

 

وحده لسنوات طويله ...

 

ساره في حزن عميق :

 

كيف ...؟

 

كيف كان يعيش وحده هنا ..؟

 

كيف تحمل ذلك وهو كفيف ...!

 

سمر بهدوء : ربك لا ينسى أحد ..

 

لقد كان يخدمه الكثير من

 

 فاعلى الخير ...

 

بل يتسابقون من أجل رعايته

 

وإطعامه ...

 

بل يحبونه ..

 

بل حاولوا كثيرًا إيجاد مأوى

 

له مناسب غير ذلك ...

 

لكنه رفض ..

 

وصمم على بقاءة هنا ..

 

كان قلب ساره يعتصر ألمًا

 

بل ينزف بشده حسره من

 

أجل حبيبها ...

 

وما تسمعه ...

 

وسمر تتابع : لقد كانت مفاجأة

 

لم أتخيلها أو أتوقعها أن أجد

 

شقيقى بعد كل تلك السنوات

 

الطويله ..

 

و ...

 

بترت عبارتها وقد تحرك جسد

 

محمود الثابت فجأة ...

 

لتتراجع سمر وهى تهمس

 

إلى ساره : يبدو بأنه يستيقظ ..

 

أرجوك ألزمى الصمت ...

 

لن يتحمل جسده المريض

 

أو قلبه صدمة وجودك ...

 

هزت ساره رأسها إيجابيًا فى

 

طاعه ..

 

لتسمع صوت محمود يدب

 

من جديد في مسامعها بعد

 

خمسة وعشرون عامًا يهتف

 

وينادى أخته سمر ...

 

ليسقط قلب ساره بين قدميها

 

فى ذهول لا حدود له وهى

 

 تصرخ فى أعماقها : مستحيل ...

 

إن محمود ما يزال يتحدث ..

 

وينطق ..

 

انتبهت فجأة إلى أصابعه

 

التى كانت تقبلها منذ لحظات ...

 

ونسيت أنها من المفترض أن

 

تكون مبتوره كما اتفقت مع

 

عبد الرحمن قبل سنوات

 

 بعيده ...

 

ما معنى هذا ...!

 

لماذا لم يقم عبد الرحمن

 

 بتنفيذ أمرها ...!!

 

لماذا ...!!

 

عادت تنتفض ومحمود يقول

 

بصوت هادىء : سمر ..

 

هل تسمعينى ...

 

تجيبه سمر بسرعه : نعم يا أخى

 

أسمعك ...

 

يبتلع محمود ريقه : إننى أشعر

 

بالظمأ الشديد ..

 

وفى لحظات كانت تمد له سمر

 

بكوب من الماء ..

 

يتجرعه ثم يحمد الله وهو يلامس

 

يده قائلًا : شىء غريب ...

 

إن يدى مبتله ...

 

هناك قطرات من الماء عليها ...!

 

من أين جاءت ...!

 

ثم وضع يده على صدره وقال

 

: اشعر بدقات قلبي عاليه ...

 

ومتسارعه ...

 

لا اعلم لماذا ...!

 

هل تصدقي أنني الآن أشعر

 

بشيء غريب لا أستطيع

 

تفسيره ...

 

سمر في تعجب تقترب منه

 

وتجلس الى جوراه على

 

أطراف الفراش قائله :

 

أخبرني ما الذي تشعر به ...؟

 

محمود بصوت هادئ :

 

وكانني سمعت صوت ساره

 

 فأوقظنى من نومي ....

 

تتراجع ساره وقلبها يخفق بقوه ومحمود 


يتابع : سمعت صوتها

 

وكأنه يناديني من بعيد ...

 

ينادي بأسمي ..

 

يطلب منى أن أستيقظ ....

 

أي حلم جميله هذا ....!

 

سمر بعطف تسأله إلى هذا

 

الحد ما تزال تحبها وتشتاق

 

 إليها ....؟

 

يأخذ محمود نفسًا قصيرًا

 

ثم قال : وأي حب ...؟

 

وشوق هذا الذى فى صدرى

 

 لها ...

 

فهي الحب الوحيد الذي عشته

 

بصدق ....

 

هل تتخيلى أننى الذى كنت أحبها

 

فى صمت ...

 

أنا من أخبأت حبها ...

 

ليس هى كما كانت تعتقد ...

 

تسأله سمر من جديد :

 

وهل تتمنى رؤيتها ...؟

 

يبتسم ساخرًا :

 

أنني بالفعل أرآها

 

تتراجع ساره فى خوف وهى

 

تحدق به وهو يتابع :

 

أرآها كل يوم ...

 

كل لحظه ...

 

فهي لما تغب يومًا عن عقلي ..

 

وخاطرى ...

 

وأحلامى ...

 

أما عيني ...

 

فلن يكتب عليها رؤيتها ...

 

او رؤيه شيء ...

 

فمنذ ان فقدت بصري ما

 

يؤاذر حزني ويواسينى دائمًا

 

هو قلبها ....

 

قلبها الذي أحمله ويسكن

 

 صدر .. وأعيش به ...

 

لقد شاء الله أن أحى لسنوات

 

طويله بقلب مريض كتب

 

عليه الموت ...

 

تنهار لحظتها ساره وهي

 

تتقدم نحوه من جديد

 

وتلامس سطح يده بأصابعها ..

 

لينتفض محمود بقوه وكأنه مس

 

أو صاعق كهربى ضرب جسده

 

ليصرخ بقوه وهو يهتف دون

 

تفكير : ساره ....

 

يتراجع الجميع في دهشه عارمه

 

غير مصدقين ما يروه ...

 

ومعرفته ل ساره من لمسة

 

يدها ....

 

لتقول ساره في تعجب وصدمة :

 

كيف علمت أنه أنا ...!

 

كيف عرفت بوجودي ...!

 

يصرخ محمود بجنون : ساره

 

أنت حقًا هنا ...!

 

انتى معى الآن ...؟

 

ساره بهدوء : نعم ...

 

كيف عرفت أننى من لامس

 

يدك ...؟!

 

محمود فى ذهول :

 

وكيف لي لا اعرف لمسه يد

 

حبيبتي ...

 

 أو أنفاسها ...

 

أو رائحتها ...

 

تجذب ساره يده وهي تضعها على


 خديها وتقبلها ...

 

وما تزال تبكي ...

 

ومحمود في صوت حزين

 

يقول : كيف جئت إلى هنا ...؟

 

 كيف عرفتي مكاني ....؟

 

لكن ساره لم تتحدث ...

 

فقط ألقت بجسدها في صدره ..

 

وبين أحضانه الدافئه ...

 

وهي تبكى قائله : كم اشتقت

 

إليك ...

 

كم تمنيت رؤيتك ...

 

أنني لا أصدق بأنى في

 

حضنك من جديد ...

 

أنني لا أصدق أنني معك ...

 

ولا أصدق أنني وجدتك

 

يا حبيب عمري ...

 

ويا نور عيني ...

 

كم تمنيت أن ألقاك  ...

 

أن تغفر لي  ...

 

أن تسامحني ...

 

كم كنت غبيه ....

 

كم كنت ظالم ....

 

كم قسوت عليك ...

 

وأنا أجهل أنك أشرف وأخلص

 

رجل قابلته ...

 

عند تلك النقطه شعر عمار

 

بقمة الغضب ...

 

وهو يقترب أكثر ويقول في

 

سخط واضح : أمي ....

 

من هذا الرجل ...؟

 

وما الذي تفعليه معه ...؟

 

وكيف تسمحي لنفسك بأن

 

تحتضنيه هكذا .....!!

 

تتراجع ساره وهي تمسح

 

بأصابعها دموع عينيها قائله

 

: وكيف لا أحتضنه وهو

 

 زوجي ....

 

وهو أبوك ...

 

عندها أتسعت أعين عمار في

 

جنون وهو ينفي برأسه يقول :

 

مستحيل ....!

 

ما الذي أسمعه ...!!؟

 

هزت ساره رأسها قائله : نعم ...

 

أنه أبوك محمود ....

 

الذي بحثت عنه عمري كله

 

 ولم أجده ....

 

ولم أكن أتوقع أنه ما زال على

 

 قيد الحياه ...

 

ينفي عمار من جديد برأسه : أنا

 

لا أفهم شيء ...

 

 كل ما علمته من صغرى أن أبي

 

قد مات ...

 

وأنا مازلت جنين في أحشائك ...

 

ساره بصوت حزين : نعم ...

 

هذا ما قلته وكذبت عليكم

 

 به ...

 

 ولكن أبوك محمود ما يزال على

 

 قيد الحياه ...

 

وها هو أمامك ...

 

محمود بصوت خافت ومرتجف

 

يقول : هل هذا صوت ولدي

 

يا ساره ...؟

 

تلتفت ساره ناحيته مبتسمه

 

مع دموعها قائله : نعم هو ...

 

 الدكتور عمار ...

 

وهناك أيضًا نادر ..

 

أنهم التوأم الذي كنت تتمنى

 

وتحلم برؤيته ..

 

عمار في غضب يصرخ :

 

أي هراء ذلك الذي أسمعه ...!!

 

فجاه يظهر أبي ويعود إلى

 

الحياة ...

 

يعود بصورة ذلك المشوه

 

الكفيف ...

 

وأنك قد أخفيتى هذا السر

 

خمسة وعشرون عامًا ..!

 

لماذا ...!!

 

ساره بصوت خافت :

 

أنها قصه طويله ...

 

يصعب شرحها وتفاصيلها كثيره ..

 

عمار في غضب شديد ينصرف

 

مبتعدًا عن المكان وسط هتاف

 

أمه الذي تحاول اللحاق به

 

وهي تهتف بإسمه وتدعوها أن

 

يتوقف وفي الخارج يدور عمار

 

في حنقه ناحيتها يقول :

 

أي جنون هذا الذي يحدث ..؟

 

هل هذا الكفيف المشوه هو

 

أبي ...؟

 

أبى الرجل الذي كان في خاطري

 

 هو ذلك الاب المثالي ..

 

 القدوه ..الناجح ...المشرف ...

 

الذي اخبرتي عنه الكثير من

 

 البطولات والنجاحات ..

 

أجده فجأه في هذا المكان القذر

 

مجرد رجل متسول ...

 

تنفي ساره برأسها وبيديها تقاطعه

 

: أنا لم أكذب عليك ..

 

أنه بالفعل كذلك كما قلت ...

 

ولولا هذا الرجل ما كنتم أنتم ...

 

وما كنت أنا ...

 

أن قلبي الذي في صدري هو

 

قلبه الذى أهداه لى ...

 

كى أعيش بينكم الآن ...

 

لولا هذا الرجل ما أصبحت في

 

كل ما تراه ...

 

إنه صاحب كل هذا الثراء الذى

 

تعيشون فيه ...

 

وما وصلتم إليه من فضله ...

 

أنت لا تعرف شيء ...

 

ولا تفهم شيء ...

 

هذا الرجل هو أشرف واخلص

 

 رجل على وجه الأرض ...

 

لقد ضحى من أجلى وأجلكم ...

 

أنني لم أحب ولن أحب غيره ...

 

كفى لا تكن غبيًا مثلي. ..

 

هذا الرجل لا يستحق شقاء

 

اكثر من ذلك ...

 

لقد قضى عمره في عذاب

 

وألم دون أي ذنب ..

 

بدلًا من أن تقبل قدميه وتشكره ..

 

بدلًا من أن تحتضنه وتبكي أسفل

 

قدميه وتطلب منه الصفح مثلى ..

 

المفترض منا أن نكون عوضًا له ..

 

لقد أعطاني هذا الرجل قلبه

 

السليم وعاش عمره بقلبي

 

المريض ...

 

عاش ينتظر الموت ويتألم كل

 

 يوم ...

 

وعشت أنا فى كامل الصحه

 

والقوه والعافيه ....

 

لكي أجعلكم رجال صالحين ...

 

هو أراد ذلك ...

 

وعاش هو كما تراه في هذا المكان الموحش ...

 

عاش عشرات السنين كما ترى فى

 

ذل وإهانه ...

 

 عمار بعد أن أصغى لها ساد

 

صمت طويل ..

 

وقبل أن يهم بالإنصراف ومع

 

دوران جسده وجد في وجهه

 

أخوه نادر الذي يقترب وهو

 

يقول : أمك لديها كل الحق ...

 

تتسع أعين عمار في تعجب

 

 ونادر يتابع بكل هدوء :

 

لقد استمعت وعلمت القصه

 

كلها ...

 

وعلمت أكثر مما تعلم أنت عن

 

هذا الرجل ...

 

أمك صادقه ...

 

هذا الرجل لا يستحق منا سواء

 

أن نحتضنه .... ونحتويه ...

 

لقد أخبرتني فى الهاتف القصه ...

 

وأنا تتبعتكم وعرفت كل شىء ..

 

وبعدها تقدمها نادر نحو

 

الداخل وهو ينظر إلى أبوه

 

محمود الذي يرقد فوق فراشه ..

 

صامتًا وساكنًا ...

 

يقترب منه بخطوات ثابته ثم

 

يلقي بنفسه في أحضانه

 

وهو يبكي ويقول : أبي ...

 

أنا لا أصدق أنك على قيد

 

 الحياه ...

 

أنني ولدك نادر ...

 

عندها يصرخ محمود من الفرحه

 

 وهو لا يصدق نفسه

 

ويشعر إن ما يعيشه هو حلم

 

 جميل ...

 

ويندفع بعدها عمار هو الآخر

 

يبكي وهو يلقي بنفسه فوق

 

 الفراش بين أحضان أبيه

 

ويحتضنون عمتهم سمر في حب ..


 ويقبلون يديها ...

 

ونادر يقول بصوت حنون :

 

لقد تعبتم وتحملتم كثيرًا في

 

 هذه الحياه ...

 

ومن حقكم أن تعيشوا باقي

 

 عمركم مع أبنائكم وأسرتكم ...

 

وبعدها يمد نادر وعمار يديه ويحملون


 أباهم ويغادرون الحجرة

 

ويجلسوه داخل السياره مع أمهم

 

التى لم تجف دموعها ..

 

تبكى متبسم ...

 

وهى تميل نحوه وتهمس فى

 

 أذنيه : هل ما نعيشه حقيقه ..؟

 

هل حقًا أنت معى ...؟

 

يبتسم محمود : أنت دائمًا معى ..

 

منذ أن أحببتك ...

 

من قبل حتى أن تلقى بخطابتك

 

أسفل باب الورشه ...

 

تتراجع ساره فى صدمه وهى

 

تبتسم : هذا يعنى أنك

 

من أحببتنى اولًا ..!

 

هز محمود رأسه : نعم ...

 

أنا من أخبأت حبك ..

 

ساره في حيره : هل قابلت

 

عبد الرحمن ..

 

صديقك القديم ..

 

يضحك محمود : نعم ...

 

وقال أنك طلبت منه أن يقطع

 

لسانى وأصابعى ...

 

كى لا أعود إليك مجددًا ...

 

تنحنى ساره وهى تقبل يده

 

فى حزن : كنت غبيه ..

 

سامحنى ...

 

لقد عشت خمسة وعشرون عامًا

 

فى عذاب لا تتخيله بسبب

 

ما فعلته ...

 

وكلما تخيلتك مبتور الأصابع

 

واللسان احترق من شدة

 

الندم ...

 

يبتسم محمود : لقد

 

رفض عبد الرحمن طاعتك ...

 

لقد أشفق على صديقه ..

 

خاصتًا أننى تحدث معه ...

 

وعلم كل شىء قد حدث ...

 

حتى قلبى الذى فى صدرك ...

 

وأنا من وعدته بأنى لن أظهر

 

من جديد فى حياتك ...

 

وكان يثق في ..

 











وحزنت بشده عندما علمت

 

بموته بعد مطاردة الشرطه

 

له ...

 

ساره فى تعجب : كيف علمت

 

ذلك ...!

 

محمود بهدوء : لأنى كنت أعلم

 

أن عبد الرحمن يعمل مع أبوك

 

حسان ...

 

وبعد كشف أمره علم جميع

 

الناس القصه ..

 

وكانت صدمه ومفاجأة لهم ..

 

وتناقلت الأقاويل عن ذلك

 

العملاق الذى أصيب برصاص

 

الشرطه وسقط فى الماء

 

وغرق ..

 

فتوقعت أنه عبد الرحمن ..

 

خاصتًا بأنه كان يعلم بأنى أسكن

 

المقابر ...

 

ولم يفكر يومًا بزيارتى ...

 

ساره بصوت خافت : نعم ..

 

لقد مات عبد الرحمن ..

 

مات أمام عينى ..

 

فى مشهد يصعب نسيانه ...

 

عادت ساره تشيح بيديها

 

دعنا ننسي كل الماضى ...

 

بكل ما يحمل ...

 

ونعيش الآن السعاده ...

 

السعاده فقط. ...

 

 

*******

 

بعد شهر ونصف ..

 

داخل المستشفى

 

ساره تستمع الى صوت ابنها

 

عمار الذي يقول في هدوء :

 

أعلم أنها مفاجأه لكى ..

 

ولكني فعلتها من أجلك ومن

 

أجل أبي ...

 

حققت معجزه ...

 

معجزة لا تصدق ...

 

بل أكثر من معجزة بفضل الله ...

 

ساره في ذهول :

 

 أى معجزات تلك ...!!

 

 يبدأ عمار فى نزع الغطاء تدريجيًا

 

عن رأس أبوه الساكن بلا حركه

 

أو صوت ..

 

ونادر يقول : أنا نفسي لا أصدق

 

ما سمعته حينما أخبرنى أخى

 

العبقري بما فعله ...

 

ساره فى شغف رهيب :

 

لقد تأخرت فى نزع الغطاء عن

 

وجه أبيك ...

 

وقتلنى الخوف والفضول ...

 

يضحك محمود : أما أنا فمطمئن

 

مادمت فى يدى ولدى ...

 

عمار بهدوء : سأخبرك يا أمى

 

لقد جاء إلى المستشفى منذ

 

أسبوع رجل انتهى وعلى مشارف

 

الموت مصاب ونزف بشده

 

وموته أصبح محتم بلا شك ...

 

ليس لديه أى أقارب ...

 

فأخذت موافقه بالحصول على

 

عينيه ووجهه ..

 

تتراجع ساره في صدمه قويه

 

وهى تقول : ما الذى فعلته ...!!

 

تعطى أبوك وجه رجل غريب ..

 

عمار بهدوء : هذا أفضل من

 

حالة التشوه الذى كان يعيش

 

فيه ...

 

نادر يقاطع الحديث : أنا متفق

 

مع عمار فى القول ..

 

حتى الرجل الذى حصلنا على

 

ملامحه ليس سىء ...

 

وتقريبًا نفس المرحله العمريه

 

لأبى ...

 

وينتهى عمار من نزع الغطاء ...

 

ومعه تتراجع ساره ونادر يكمل

 

مفاجأة أليس كذلك ...

 

إنه للأسف وجه اخطر مجرم

 

سمعت عنه ...

 

تصورنا لسنوات بأنه قد مات

 

قبل أن يعود ويظهر فجأة

 

للحياة ...

 

وبعد مطارده أخيره تم

 

تصيفته ...

 

وتصرخ ساره ...

 

تصرخ بقوه ...

 

ومحمود يهتف بسعاده :

 

أننى أرى ...

 

أركم جميعًا ...

 

أما ساره فلم تسمعه ...

 

كانت ما تزال تصرخ فى جنون

 

تصرخ بشكل هيستري

 

بث الرعب والذعر في قلوبهم ...

 

وهم يحاولون تهدئتها دون

 

أن يعرفوا السبب ...

 

لا يدركون أن ذلك الوجه الذى

 

استعان عمار به بديلاً لوجه

 

أبيه ...

 

هو وجه لم تنساه ...

 

وجه أصبح الآن يحمله

 

زوجها ..

 

بل وعيناه أيضًا ....

 

ينظر لها نظره لم تنساها يومًا ...

 

نظره مخيفه ...

 

لقد كان هذا الوجه آخر ما تتوقع

 

رؤيته مرة أخرى ...

 

وجه عبد الرحمن .....

 

على جسد زوجها محمود ....

 

                           ( تمت )

رواية أخبأت حبه 

تأليف محمد أبو النجا 

 جميع أجزاء الرواية فى الأسفل 

إضغط على الجزء المطلوب

إضغط هنا الجزء 1

إضغط هنا الجزء 2



















إضغط هنا الجزء 46

إضغط هنا الجزء 52

إضغط هنا الجزء 55













 

 

 

 

 


هل اعجبك الموضوع :

تعليقات