إحتضار
قصة قصيرة
تأليف محمد أبو النجا
كانت لحظات صعبه تلك
التي يعيشها الزوج العجوز وزوجته
وحدهما ...
وهى ترقد في فراش الموت
فى الرمق الأخير من حياتها ...
أنه يعلم أنها تحتضر ..
تودعه وداعها الاخير ..
بعد أكثر من خمسين عامًا من الزواج ..
من الحب والود ..
من حياة مليئة بالسعاده والفرح ..
من العذاب والألم ..
ذكريات لا تنسي ..
ولن تعود ..
إنها الآن تحتضر ..
تتركه وتغادر بلا عوده ..
يحاول التماسك أمامها وعلى شفتيه
إبتسامه باهته وكاذبه ..
تحمل خلفها أطنان من الدموع والصراخ ..
يجلس فى هدوء بجانبها ..
يمسك يديها البارده ..
لتقول في صوت متهالك هزيل :
زوجي.. ورفيق عمري...
أعلم أنه اللقاء الأخير ..
كانت كلماته كالصخر الثقيل
التى نضعه فوق صدره ..
لينفى برأسه وهو يقبل يديها :
لا تقولي ذلك ياعزيزتى ...
إنها ليس المره الأولى للمرض ..
أنت أقوى منه ..
تنفى وهى تقاطعه : لكنه
اليوم سينتصر ...
أشعر بذلك ...
يمنع تلك الدمعه الملتهبه من السقوط
أمامها وهو يقول بصوت مرح :
أقسم أن الطبيب قد اخبرني أنك على ما
يرام
وأن بالإمكان أن نخرج سويًا للتنزهه
الأسبوع المقبل ..
تبتسم إبتسامه بشفتى شاحبه :
ما تزلت لا تكف عن الكذب ..
أمسكت بيديه تقول بصوت حزين :
أبقى إلى جواري ...
أريد أن تكون آخر ما تراه عيني ..
منذ أكثر من خمسون عامًا لم ترى
عينى رجلا ًأعظم منك ..
ولم ترى سواك ..
أحببتك إلى أبعد الحدود ..
أحببتك أكثر من نفسي ..
فهل أنت راضًا عنى قبل موتى ..
تنفجر عيناه بالدمع لحظتها ..
وهو يقبل يديها ورأسها قائلًا فى حزن :
أنا من يسألك هذا السؤال ..
أنا من يتمنى رضاك ..
مدت يديها أسفل رأسها وجذبت
ورقه بيضاء مطويه ..
تمدها إليه لينظر لها فى دهشه
وهى تقول : لا تقرأها إلا بعد
موتى بأسبوع ..
أعدنى بذلك...
نظر فى تعجب شديد متسائلًا :
ما هذه الورقة ..!!
قالت وهى تشير نحوها برأسها :
أحتفظ بها فقط ..
وضعها معك ..
وكما أخبرتك لا تقرأها إلا بعد
رحيلى بأسبوع ..
قال فى حسره وألم :
لن تموتي أنتى بخير ..
صدقيني ..
ابتسمت الإبتسامه الأخيرة
قائله : سأشتاق لك..
سأنتظرك...
وفارقت بعدها الحياه ...
ليصرخ بإسمها باكيًا ..
ويعيش أصعب لحظات العمر ..
بعد رحيل رفيقة الدرب ..
أطيب القلوب وأحبها له ..
من كان يلجأ إليها حينا يسعد ..
وحين يبكى ..
فى السراء والضراء ..
كانت تداويه بصبرها ..
بعطفها ..
بحنانها ..
الشىء الوحيد الذى كان يواسيه
هو شعوره بإقتراب أجله هو الآخر ..
لقد بلغ أرذل العمر ..
ولم يبقى إلا القليل ليلحق بها ..
ظل يسكن الذكريات فى صورتها ..
فى صوتها الذى لم يغادر أذنيه ..
دائمًا ما يشعر بندائها له ..
بمداعبتها ..
بكلماتها الساخره التى اعتاد عليها ..
اسبوع لم تفارق صورتها حضنه فى فراشه
..
وفوق زجاجها قطرات جافه من الدموع ...
حتى انتبه فجأة ..
لقد انتهى الأسبوع ..
وكما وعدها احتفظ بالورقه دون أن
يقرأها ..
الآن حان وقتها ..
أخرجها من معطفه القديم ..
فتحها ..
قرأها ..
وخفق قلبه بعنف واهتزت ضلوع صدره
فلم يكن بهى سوى
( كل عام وانت بخير زوجى الحبيب )
ليتذكر أن اليوم هو عيد ميلاده ..
الذى قد نساه ..
وهى لم تنساه ..
منذ أن تقدم لخطبتها منذ عشرات السنين
..
حتى بعد رحيلها ..
لم تنسى قولها يومًا ..
ولم يخبره أحد بالتهنئه سواها اليوم ..
وسقط
على ركبتيه يبكى ..
فى
إنهيار ..
ولديها
رغبه عارمه فى رؤيتها ..
وفى الرحيل
لها ..
كل التحيه لزوار المدونه الكاتب محمد أبو النجا
ردحذف