رواية
بلا ذاكرة
الجزء 3
تأليف محمد أبو النجا
ظل طلعت فى حالة صدمه
شديدة وهو يحدق فى جثة
زيكو المسجاه ارضًا والدماء
حولها تتزايد ...
لا يصدق ذلك الكابوس الجديد
الذى حل به ..
ما الذى يحدث ..!
تتوالى المصائب بسرعه لم
يتخيلها فجأة عليه ...
عليه أن يهرب من هنا ...
أن يبتعد بأقصى سرعه ..
عاد من جديد يخرج من
البيت وأقدامه تسابق الريح ...
لا يعرف إلى أين تذهب به ..
كل ما أراده هو أن يبتعد ...
لديه القليل من النقود
والتى بالكاد لا تكفى لأن
تذهب به إلى القاهرة ...
توقف بعد ثلاثون دقيقه
بالضبط من الجرى المتواصل
عبر ظلام دامس ...
جلس يلتقط أنفاسه المتسارعه ..
ويهدىء من ضربات قلبه
المتلاحقة ...
لن يستمر هكذا فى العدو
بأقدامه دون أن يعرف وجهته
القادمه ...
وبعد أن إستراح بعض الوقت
بدأ هذه المره يخطو ببطء ..
وشعر بالظمأ والجوع والتعب ...
لكنه استمر فى السير عبر طريق
زراعى خال من البشر ..
فجأة يظهر أمامه بيت صغير ..
ورجل على اعتابه يضع أشياء
فوق دراجه بخارية ضخمه ...
تردد للحظات للحديث معه ..
لكنه اتخذ قراره واقترب منه
وهو يلقى السلام ..
تراجع الرجل الذى تخطى
منتصف الخمسون من عمره
بوجه ذو ذقن نصف بيضاء ..
وقبعه كبيره فوق رأسه يحملق
فى وجه طلعت فى تعجب
وهو يرد التحيه :
عليكم السلام ...
انته مين ...!!
وإيه اللى جابك هنا ...؟؟!
طلعت بصوت خافت يحاول
إيجاد رد مقنع للرجل :
أنا عاير سبيل ...
تايهه ...
وغريب مش من هنا ...
يتفحصه الرجل فى تعجب
: واضح إنك فعلاً غريب ..
لانك متعرفنبش ...
ينظر له طلعت وهو يجيب :
معرفكش ..
هز الرجل رأسه : أيوه لأن
الأرض اللى حواليك دى واللى
انته واقف فيها دلوقت بتاعتى
والناس كلها هنا تعرفنى
وأعرفها ..
بس انته بقى ازاى تايهه وجيت
هنا ...
شكلك تعبان ومرهق ...
هز طلعت رأسه : فعلاً ..
أنا عطشان اوى كمان ...
يخرج الرجل زجاجه من الماء
عبر جراب كبير فى جانب
دراجته البخارية ويمدها نحو
طلعت فى حذر ..
يتجرع طلعت جزء كبير منها
ثم نظر إلى الرجل وقال بهدوء
: اشكرك ..
ممكن بس تساعدنى أعرف
أقرب موقف أو طريق يودينى
القاهره ..
نظر له الرجل في دهشه :
القاهرة ...
انته من القاهره ..
هز طلعت رأسه : أيوه ..
الرجل فى حيره أكثر :
ممكن تسافر عن طريق القطار
أو تركب مواصله لحد الموقف ..
طلعت بهدوء : موقف العربيات
بعيد عن هنا ...
يجيبه الرجل بهدوء : أيوه ...
ممكن تركب له مواصله من على
الطريق القريب من ناحية دى .
وأشار بيده نحو اليمين وهو
يتابع : ساعه بالظبط وتكون
هناك ...
يأخذ طلعت نفسًا طويلا وعقله
يفكر بسرعه يحاول ترتيب
خطوته القادمه ...
بالتأكيد النقود التى معه لن
تكفى تذكرة مواصلاته إلى
القاهرة ...
شعر الرجل بشرود طلعت
وتفكيره فى شىء ما قد شغل
عقله فأشار له : تعالى اركب
معايا ممكن اوصلك على الطريق
القريب من هنا تاخد منه مواصله
للموقف بس المشكله إن لسه
وقت على صلاة الفجر ...
وأكيد هتلاقى الموصلات على
الطريق قليله ...
ينظر له طلعت دون أن يجد
رد له ...
يتابع الرجل حديثه وهو يتفحص
طلعت وملابسه : واضح انك
بتعانى من مشكله ...
مشكله كبيره ..
هز طلعت رأسه : في الحقيقة
أيوه ...
أنا قصتى صعب حد يصدقها ..
تعجب الرجل أكثر وهو يشير
له بمقعد خشبى عريض وكبير
وملتصق بالحائط الجانبى
: طب ارتاح هنا واحكيلى
يمكن أقدر أساعدك ...
يتحرك طلعت ويجلس ويستند
بظهره المتعب للوراء والرجل
يخطو ويجلس بالقرب منه
يقول : انته مين بقى ...؟
وحكايتك إيه ...؟
طلعت بصوت خافت :
أنا إسمى طلعت سلطان ...
محامى ...
عايش في القاهره ...
صحيت من كام ساعه لقيت
نفسي نايم فى محطة قطر
على الأرض ...
ومش قادر اعرف أو افتكر
ازاى جيت فجأة من القاهره
ل بنى سويف ...!
ومن غير ما أحس ...
تتسع أعين الرجل في تعجب
: اللى بتحكيه فعلاً غريب ...
ومحدش يصدقه ...
لكن جايز ... كل شىء جايز ...
طلعت ودلوقت أنا محتاج أرجع
تانى لبيت ولأسرتى ...
حتى الفلوس اللى لقيتها في
جيبى واضح إنها قليله ..
ومش هتكفى الموصلات ..
هز الرجل رأسه : متشيلش هم
ثم أعتدل من مقعده : ثوانى ...
وغاب لدقائق ثم عاد بحقيبه
بلاستيكيه يقول : خود ألبس
هدوم تانيه غير اللى عليك
دى ..
على بال ما اجيب لك لقمه تاكلها
وهاخدك بنفسي على الموتوسيكل
بتاعى ..
ينظر له طلعت ثم قال :
انا كده هتعبك معايا ..
ينفي الرجل برأسه : لا تعب
ولا حاجه ..
وعلى فكره انا اسمي
عبد الله ..
اخوك عبد الله ..
والأخوات لبعضها ...
وبعد عده دقائق ...
كان طلعت يستقل الدراجه
البخاريه خلف ذلك رجل
الشهم الطيب عبد الله ...
ويدور بينهم حديث حيث
قال عبد الله وهو يميل برأسه
ناحية اليمين : ان شاء الله نلاقي
الاتوبيس اللي بيطلع القاهره
الفجر ...
أنا متذكر إن ده معاده ..
إن شاء الله نلحقه ...
طلعت يشكره بقوه على
ما فعله معه ...
حتى قال له الرجل :
لقد قلت لك لا داعي للشكر ..
وبعد رحله طويله ومشقه
يصل الرجل مع طلعت حيث
محطه الاتوبيس ...
وهناك يرتجل الرجل من دراجته
..
ويخطو ببطء ويذهب نحو
شباك التذاكر ...
ويقوم بقطع واحده ويمد
بالتذكره ناحية طلعت الذي
اتسعت عيناه وهو لا يصدق
مدى طيبة وشهامة ذلك الرجل
الذى وقف بجانبه ...
وهو يبتسم له بوجه طيب :
إن شاء الله توصل لبيتك
ولعيالك بالسلامه ...
اشوفك على خير ...
يبادله طلعت الإبتسامه والتحية
وهو ما يزال يثتى عليه ويشكره ..
ويغادر عبد الله المكان .
وهو يودع طلعت ..
وبعدها يستقل طلعت الأتوبيس
وجلس وقلبه يشعر ببعض
السعاده ولكن فجأة تتلاشى
وهو
يتذكر مشهد زيكو الغارق في
دمائه ...
ويشعر بتأنيب الضمير ...
والحزن والأسى من أجله ...
مما حدث له إنه لم يكن يقصد
إيذاءه أو قتله ...
وأطلق زفره حاره من صدره ..
قبل أن يجد فجأة حشد كبير
من رجال الشرطه يظهرون
في ساحه موقف الأتوبيس
ويحدث تفتيش على الأشخاص
الواقفه ...
ليبتلع طلعت ريقه في قلق
وتوتر وخوف ..
ويستمع إلى صوت رجل يجلس
بالقرب منه يقول لشخص آخر
جانبه : بيقولوا في واحد
مقتول قريب من هنا ..
والدنيا مقلوبه والشرطه
مش ساكته ...
وعمالين زى ما انته شايف
يفتشوا ويدوروا على القاتل ...
حينها ارتجف جسد طلعت
بقوة واشتعل في عروقه
قمة التوتر والخوف ...
وهو يشاهد رجال الشرطه يقتربون
من الحافله التى يستقلها
ويصعدون إليها واحدهم
يفحص هواية الجالسين داخلها
حتى جاء الدور على طلعت
الذى تجمدت دماءؤه ...
ورجل الشرطه يتفخصه و
يساله عن هويته..
وهو قلب طلعت بين قدميه ..
من شده الرعب ..
والذعر ...
تعليقات
إرسال تعليق