رواية
بلا ذاكرة
الجزء 2
تأليف محمد أبو النجا
حشد كبير من الناس
يلتف حول طلعت الذى
ينظر إلى هويته فى ذهول
شديد ..
وقلبه يخفق فى عنف ...
لا يبالى بما يقال ويثار
من حوله ..
كان كل ما يشغله هو كيف
تحول اسمه فوق سطح
بطاقته وهويته من
طلعت أحمد سلطان
إلى
جابر علي منصور ...!
لقد شعر بالجنون ينساب
إلى عقله وتفكيره ...
وصوت الحاج عبده يعلو
وهو يحاول إخماد حديث
الناس وتجمهرهم الذى
يتزايد من حولهم ..
يتسألون ما القصة ...؟
ومحمود عامل القهوة الذى
يطالب بتسليم طلعت إلى
قسم الشرطه للتو ...
بدأ الحاج عبده يحاول
إبعاد الناس ويقول ل محمود
بصوت مرتفع : أهدى يا محمود
لما نسمع ونشوف القصة
بالظبط إيه ..
محمود بصوت ولهجه حاده :
انته لسه هتسمع وتصدق
للجدع ده ...
مش بيقولك اسمه طلعت
ومحامى ..
وأنا كشفته قدامك أهو
وطلع كداب واسمه جابر
وسواق كمان ...
يرفع عبده يده ويدفع محمود
من صدره للخلف وهو يقول
: طب سيبه بس الأول وخلينا
نسمعه ...
ابتعد محمود خطوه للوراء وهو
يتخلى بقبضته عن ذراع طلعت
الذى ما تزال ملامحه يكسوها
الذهول والدهشة ...
وعبده ينظر إليه قائلاً :
يابنى ممكن تفهمني معناه
إيه الكلام ده ...؟
انته اسمك ومهنتك في البطاقه
غير اللى بتقول عليهم ...
ينظر إليه طلعت وبأعين
مرتجفه يقول : مش عارف ..!
مش عارف ده حصل ازاى ...!!
أسمى فى البطاقه اتغير فجأة
لإسم معرفوش ...
ومسمعتوش قبل كده ..
عبده بصوت هادىء : وده
معقول برضه يابنى ...!
فى واحد اسمه يتغير فجأة
كده لوحده فى بطاقته من غير
ما يحس ولا يعرف ..!!
أكيد فى سر ..
والسر ده عندك ..
ينفى طلعت برأسه : معنديش
أى تفسير ...
ومش قادر استوعب ولا أفهم
ده حصل ازاى ...
طلعت بصوت يسكنه الحيره
: أنا لو كنت بكدب عليكم
مكنتش قولت إن أسمى طلعت
ولا كنت اديتكم بطاقتى ..
أنا مذهول وعقلى هيتجنن ..
يعود محمود يقاطعه :
يبقى اللى هيحكم بنا قسم
الشرطه لما نسلمك هناك ...
ساعتها بقى هما هيقولوا
انته بقى تبقى مين طلعت
والآه جابر ...
طلعت بصوت مرتفع :
أنا مكدبتش عليكم ...
ومش عارف إيه اللى جابنى
فجأة هنا في بنى سويف ..!
وغير أسمى لواحد معرفوش ..!
يطلق الحاج عبده زفره
حاره من صدره قائلًا :
للأسف واضح إن فعلاً مفيش
بديل قدمنا غير إننا نسلمك
لقسم البوليس ...
انته شكلك تعبان ...
وممكن تكون فاقد الذاكره ..
وأهلك دلوقت بيدور عليك ..
فى دمنهور ...
يتراجع طلعت فى ذهول وهو
يردد : دمنهور ..!!
يشير عبده إلى البطاقه التى
بين أصابع طلعت أنته مش
واخد بالك كمان إن محل
الإقامه الموجود عندك
فى البطاقه دمنهور ..
يعنى انته مش من القاهره ...
ولا من بنى سويف ...
انته يابنى من الواضح إنك ...
يقاطعه طلعت بإشاره من يده
: اسمعنى ياحاج كويس لا أنا
جابر اللى اسمه فى البطاقه ده
ولا عمرى رحت دمنهور ...
محمود فى سخريه : وصورتك
اللى على البطاقه كمان مش
صورتك ...
طلعت بلهجه حائره وأعين
متسعه يشير بهم إلى البطاقه
: ده اللى هيجننى ..
أنا حاسس إنى فى كابوس ...
هز الحاج عبده رأسه : واضح
إن مفيش بديل قدامنا غير فعلاً
إننا نسلمك لقسم الشرطه ..
أنته حالتك النفسيه مش
مظبوطه ..
طلعت فى غضب : تقصد إنى
مجنون ..
أو بخرف .. معتوه مثلاً ..؟
ينفى عبده بيده : يابنى بقول
تعبان نفسيًا وأى شخص معرض
للمرحله اللى انته فيها ..
ممكن بسبب ضغوط معينه ...
الله أعلم بالظروف اللى مريت
بيها ...
عاد يمسكه برفق من يده قائلًا
: تعالى معايا ...
أنا هوصلك بنفسي ...
متخفش ....
هنا وفى لحظه واحده لم يجد
طلعت بديل آخر ..
وقد أتخذ قراره بسرعه دون
تردد ..
فقد انطلق يفر من بينهم بسرعه
اربكتهم ..
ولم يتوقعوها ...
ومن خلفه بعض الرجال ينطلقون
من وراءه للإمساك به ...
ومحمود القهوجى يصرخ فى
وجه الحاج عبده : مش قولت
لك وراه مصيبه ...
شوفت هرب ازاى ...!
أنا من الأول شاكك فيه ...
وانطلق محمود هو الآخر يتبع
تلك الكتيبه التى تسابق الريح
من أجل الإمساك ب طلعت ..
الذى شق طريقه عبر ظلمات
لا يعرف إلى أين تأخذه
أقدامه ...
أو نهاية ذلك الطريق الذى
يسلكه بسرعه جنونيه ..
لا يعرف هل ما فعله صواب
أم خطأ ..
هل كان من الأفضل تسليم
نفسه للشرطه كما كان يرغب
الناس فى ذلك ..
ربما كان هذا هو الحل الأمثل
الذى تخلى عنه ..
وفضل الهروب دون أن يعرف
السبب ليقنع به نفسه ..
فجأة تنزلق أقدامه ويهوى
عبر ممر منحنى لم يراه ...
يحاول إيقاف نفسه لكنه
لم يستطع ..
ويصطدم فى النهاية بحائط
لازج لا يعرف لون أو شكل له
ويشعر بألم فى جسده
قبل أن يلمح تلك الحجره
المفتوح بابها وذلك الرجل
يخرج منها ويجذبه نحو
الداخل ويغلق الباب من خلفه
يقول : اطمن أنت فى أمان
دلوقت ...
أنته بتجرى من مين كده ..؟
وليه ...؟
ينظر له طلعت فى دهشه وهو
يراه يعود للجلوس أمام نار
مشتعله ويقوم بوضع الشيشه
فى فمه وأخذ أنفاس متتاليه
ويطلق دخان متقطع من فمه ..
ويشير له بالجلوس ...
يقترب طلعت وجسده ما يزال
يتألم والرجل يقول : أخوك
زيكو ...
اسم الشهره كده ...
ومعرفش مين اللى سمانى
كده
..
قولت الجو حر افتح الباب
يجيب شوية هوى ...
وبدل ما يجيب هوا جابك
انته ...
لقيتك بتجرى زى ما يكون
عفريت وراك ...
ووقعت زى الجردل مخبوط
بوشك فى الحيطه ..
ثم عاد يأخذ أنفاس أخرى من
الشيشه التى بين يده قائلًا :
مقولتليش بقى بتجرى من
إيه ..!
يبتلع طلعت ريقه : لو قلت
لك مش عارف هتصدقنى ...
والآه لاء ..!
هز زيكو رأسه : طبعًا
هصدقك ..
أنا سعات وأنا بشرب هنا بالليل
بحس بناس بتجرى ورايا
بس بينى وبينك بكسل أقوم
من مكانى ..
مبيهنش عليه أسيب التعميره
اللى فى إديه ..
يغمغم طلعت : واضح انك فى
عالم تانى ومش مركز معايا ..
بسبب اللى بتشربه ..
ينفى زيكو برأسه :
لاء مركز معاك ...
بس عايز أنام شويه ..
أنته كمان ريح ضهرك ونام
فى الفرشه اللى وراك ...
تصبح على خير ..
ويعود زيكو للوراء ويذهب
فجأة في ثبات ونوم عميق ..
يتأوه طلعت ويتمنى لو
استيقظ من ذلك الكابوس
المخيف الذى يسكنه ..
لابد أن يرحل في أسرع
وقت إلى القاهره ...
حيث أسرته وعائلته ومكتبه .
وأصدقائه ...
بالتأكيد كلهم يعرفونه ويثقون
به ..
ربما يجد لديهم الحل لتلك
الكارثه التي وقع بها ...
عليه أن يذهب سريعا إلى
محطه القطار ...
أو
أي وسيله مواصلات أخرى
للرحيل عن هذا المكان ..
يبدأ في البحث داخل ملابسه
عن أي نقود أنه يحتاجها بشده
في
هذا الوقت ..
تلك المحفظه التي فيها بطاقته ..
وبعض
الأغراض التي لم يراها ...
ولا يعرفها ولا يفهم معنى لها ...!
إنها ليست محفظته وليست
اشيائه ...
حتى البطاقه الشيء الحقيقي
الوحيد فيها هو صورته ..
ظل طلعت أكثر من ثلاث
ساعات يفكر في محاوله لإيجاد
حل لذلك المأزق الذي لا يستطيع الخروج منه
..
فجأة ...
يسمع هذا الصوت من خلفهم
يقول بلهجه حاده :
أنت مين ...؟
يلتفت إلى زيكو الذي أستيقظ
من نومه بغته بوجه آخر
غير الذي نام به منذ ساعات
وجه منزعج شرس ...
ليشير طلعت إلى نفسه قائلاً
: أنت مش فاكر أنا مين ...
ينفى زيكو : لاء ...
مش فاكر ...
طلعت بهدوء : أنا اللي دخلته
من
شويه هنا فى بيتك ...
ينفي زيكو من جديد بقوه
: أنا مش فاكر أي حاجه من
كلامك يانصاب ...
ومش فاكرك شكلك ده خالص ..
ولا قابلتك قبل كده ...
ثم أشار نحوه : إنته دخلت
هنا
ازاي ...!!
ثم عاد زيكو يمسك سكkين
حاد
قريب منه ويرفعه في وجه
طلعت الذي تراجع فى توتر
قائلاً الأخير فى صدمه :
إيه اللي بتعمله ده ...؟
زيكو بلهجه عنيفه :
ما تتحركش من مكانك
يا حرامي ..
طلعت بلهجه قويه :
ارمي السkكينه اللي في
ايدك
دي
يا زيكو ..
زيكو بلهجه ساخره :
كمان عارف اسمي ...!
عرفته منين يا حرامي ..!
طلعت يحاول تهدئته :
أنت
بنفسك بقولك اللى
دخلتني إمبارح هنا ...
وكنت شارب ومش مركز
واضح إنك نسيت ..
وعاد يشير له طلعت بيديه :
متتهورش بالسkكينه اللى
معاك دى ...
انا
خلاص همشي من هنا بهدوء ..
لكن زيكو ينفي برأسه :
هو دخول الحمام زي خروجه ..!
وقبل أن يحاول طلعت الخلاص
والهروب من باب البيت
كان
زيكو يعترضه ويهوي بقوه
بسkكينه فوقه صدر
طلعت
الذي تفاداها وحاول الابتعاد
وتجنب مشاجره زيكو ..
الذي أصر بشدة على القتال
من
جديد ...
ليركله بغته طلعت في صدره
بحافة قدمه ليتراجع مع تلك
الركله القويه زيكو إلى الوراء
ويصطدم بالحائط بعنف ..
ليثور بجسده الممتلئ وينقض
كالوحش الذي لا يريد الا
إنتقام
وهنا وبعد سقوط الاثنان
أرضًا ..
يصرخ زيكو وقد انغرست
السkكين بغته في
صدره دون
أن
يقصد طلعت ذلك ...
وتنفجر الدماء في أرض
الحجره ..
ومعها تتسع أعين طلعت في
صدمه وذهول وذعر وحسره
وهو
يرى أمامه زيكو قد هوى جثه
هامده ...
وكارثة جديده تحل به ...
كارثه مخيفه ..
مخيفه إلى أقصى حد ..
تعليقات
إرسال تعليق